كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

(قَوْلُهُ بَابُ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا)
فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ السِّحْرَ

[5767] قَوْلُهُ قَدِمَ رَجُلَانِ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِمَا صَرِيحًا وَقَدْ زَعَمَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُمَا الزِّبْرِقَانِ بِكَسْرِ الزَّايِ وَالرَّاءِ بَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ وَبِالْقَافِ وَاسْمُهُ الْحُصَيْنُ وَلُقِّبَ الزِّبْرِقَانِ لحسنه والزبرقان من أَسمَاء الْقَمَر وَهُوَ بن بَدْرِ بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ خَلَفٍ وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ وَاسْمُ الْأَهْتَمِ سِنَانُ بْنُ سُمَيٍّ يَجْتَمِعُ مَعَ الزِّبْرِقَانِ فِي كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ فَهُمَا تَمِيمِيَّانِ قَدِمَا فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَاسْتَنَدُوا فِي تَعْيِينِهِمَا إِلَى مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ مِقْسَمٍ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ فَفَخَرَ الزِّبْرِقَانُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا سَيِّدُ بَنِي تَمِيمٍ وَالْمُطَاعُ فِيهِمْ وَالْمُجَابُ أَمْنَعُهُمْ مِنَ الظُّلْمِ وَآخُذُ مِنْهُمْ بِحُقُوقِهِمْ وَهَذَا يَعْلَمُ ذَلِكَ يَعْنِي عَمْرَو بْنَ الْأَهْتَمِ فَقَالَ عَمْرٌو إِنَّهُ لَشَدِيدُ الْعَارِضَةِ مَانِعٌ لِجَانِبِهِ مُطَاعٌ فِي أُذُنَيْهِ فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ مِنِّي غَيْرَ مَا قَالَ وَمَا مَنَعَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ إِلَّا الْحَسَدُ فَقَالَ عَمْرٌو أَنَا أَحْسُدُكَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَئِيمُ الْخَالِ حَدِيثُ الْمَالِ أَحْمَقُ الْوَالِدِ مُضَيَّعٌ فِي الْعَشِيرَةِ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ صَدَقْتُ فِي الْأُولَى وَمَا كَذَبْتُ فِي الْآخِرَةِ وَلَكِنِّي رَجُلٌ إِذَا رَضِيتُ قُلْتُ أَحْسَنَ مَا عَلِمْتُ وَإِذَا غَضِبْتُ قُلْتُ أَقْبَحَ مَا وَجَدْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ عَلَيْهِمْ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ وَالزِّبْرِقَانُ وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرٍو مَا تَقُولُ فِي الزِّبْرِقَانِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَهَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الزِّبْرِقَانُ وَعَمْرُو هما المُرَاد بِحَدِيث بن عُمَرَ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ إِنَّمَا هُوَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ وَحْدَهُ وَكَانَ كَلَامُهُ فِي مُرَاجَعَتِهِ الزِّبْرِقَانَ فَلَا يَصِحُّ نِسْبَةُ الْخُطْبَةِ إِلَيْهِمَا إِلَّا عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ قَوْلُهُ مِنَ الْمَشْرِقِ أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَكَانَتْ سُكْنَى بَنِي تَمِيمٍ مِنْ جِهَةِ الْعِرَاقِ وَهِيَ فِي شَرْقِيِّ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ فَخَطَبَا فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْبَيَانُ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا مَا تَقَعُ بِهِ الْإِبَانَةُ عَنِ الْمُرَادِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَالْآخَرُ مَا دَخَلَتْهُ الصَّنْعَةُ بِحَيْثُ يَرُوقُ لِلسَّامِعِينَ وَيَسْتَمِيلُ قُلُوبَهُمْ وَهُوَ الَّذِي يُشَبَّهُ بِالسِّحْرِ إِذَا خَلَبَ الْقَلْبَ وَغَلَبَ عَلَى النَّفْسِ حَتَّى يُحَوِّلَ الشَّيْءَ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَيَصْرِفَهُ عَنْ جِهَتِهِ فَيَلُوحُ لِلنَّاظِرِ فِي مَعْرِضِ غَيْرِهِ وَهَذَا إِذَا صُرِفَ إِلَى الْحَقِّ يُمْدَحُ وَإِذَا صُرِفَ إِلَى الْبَاطِلِ يُذَمُّ قَالَ فَعَلَى هَذَا فَالَّذِي يُشَبَّهُ بِالسِّحْرِ مِنْهُ هُوَ الْمَذْمُومُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْآخَرِ سِحْرًا لِأَنَّ السِّحْرَ يُطْلَقُ عَلَى الِاسْتِمَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ السِّحْرِ وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ عَلَى الْمَدْحِ وَالْحَثِّ عَلَى تَحْسِينِ الْكَلَامِ وَتَحْبِيرِ الْأَلْفَاظِ وَهَذَا وَاضِحٌ إِنْ صَحَّ أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي قِصَّةِ عَمْرِو بْنِ الْأَهْتَمِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الذَّمِّ لِمَنْ تَصَنَّعَ فِي الْكَلَامِ وَتَكَلَّفَ لِتَحْسِينِهِ وَصَرَفَ الشَّيْءَ عَنْ ظَاهِرِهِ فَشُبِّهَ بِالسِّحْرِ الَّذِي هُوَ تَخْيِيلٌ لِغَيْرِ حَقِيقَةٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ مَالِكٌ حَيْثُ أَدخل هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُوَطَّأِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْخِطْبَةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ قَوْلِ صَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا

الصفحة 237