كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

السُّمِّ وَمَعَ ذَلِكَ فَعَانَدُوا وَاسْتَمَرُّوا عَلَى تَكْذِيبِهِ وَفِيهِ قَتْلُ مَنْ قَتَلَ بِالسُّمِّ قِصَاصًا وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّمَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِذَا اسْتَكْرَهَهُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَأَمَّا إِذَا دَسَّهُ عَلَيْهِ فَأَكَلَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ الْيَهُودِيَّةَ بِبِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ فَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ بِالْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ أَنَّ الْأَشْيَاءَ كَالسَّمُومِ وَغَيْرِهَا لَا تُؤَثِّرُ بِذَوَاتِهَا بَلْ بِإِذْنِ اللَّهِ لِأَنَّ السُّمَّ أَثَّرَ فِي بِشْرٍ فَقِيلَ إِنَّهُ مَاتَ فِي الْحَالِ وَقِيلَ إِنَّهُ بعد حول وَوَقع فِي مُرْسَلُ الزُّهْرِيِّ فِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ لَوْنَهُ صَارَ فِي الْحَالِ كَالطَّيْلَسَانِ يَعْنِي أَصْفَرَ شَدِيدَ الصُّفْرَةِ وَأَمَّا قَوْلُ أَنَسٍ فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاللَّهَوَاتُ جَمْعُ لَهَاةٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى لُهًى بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالْقَصْرُ مَنُونٌ ولهيان وَزْنُ إِنْسَانٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِيمَا مَضَى فِي الطِّبِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُذْرَةِ وَهِيَ اللَّحْمَةُ الْمُعَلَّقَةُ فِي أَصْلِ الْحَنَكِ وَقِيلَ هِيَ مَا بَيْنَ مُنْقَطِعِ اللِّسَانِ إِلَى مُنْقَطِعِ أَصْلِ الْفَمِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُوَافِقُ الْجَمْعَ الْمَذْكُورَ وَمُرَادُ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَرِيهِ الْمَرَضُ مِنْ تِلْكَ الْأَكْلَةِ أَحْيَانًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ وَوَقَعَ فِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ عِدَادًا حَتَّى كَانَ هَذَا أَوَانَ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي وَمثله فِي الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة عِنْد بن سَعْدٍ وَالْعِدَادُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّخْفِيفِ مَا يُعْتَادُ وَالْأَبْهَرُ عِرْقٌ فِي الظَّهْرِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ أَرَادَ أَنَّهُ يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي اللَّهَوَاتِ بِتَغَيُّرِ لَوْنِهَا أَوْ بِنُتُوءٍ فِيهَا أَوْ تَحْفِيرٍ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ

(قَوْلُهُ بَابُ شُرْبِ السُّمِّ وَالدَّوَاءِ بِهِ وَمَا يُخَافُ مِنْهُ)
هُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ يَجُوزُ فَتْحُهُ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى السُّمِّ قَوْلُهُ وَالْخَبِيثُ أَيِ الدَّوَاءُ الْخَبِيثُ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِالدَّوَاءِ بِالسُّمِّ إِلَى مَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ التَّدَاوِي بِالْحَرَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ فِي بَابِ الْبَاذِقِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بِهِ مِنْهُ وَالْمُرَادُ مَا يَدْفَعُ ضَرَرَ السُّمِّ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلُ مِنْ حَدِيثِ مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ الْحَدِيثَ وَفِيهِ لَمْ يضرّهُ سم فيتسفاد مِنْهُ اسْتِعْمَالُ مَا يَدْفَعُ ضَرَرَ السُّمِّ قَبْلَ وُصُولِهِ وَلَا يَخْفَى بُعْدَ مَا قَالَ لَكِنْ يُسْتَفَادُ مِنْهُ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ حَدِيثِ الْعَجْوَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَا يُخَافُ

الصفحة 247