كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ الطَّرِيقَانِ مُحْتَمَلَانِ قَوْلُهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّ فِي أَحَدٍ وَالْجَنَاحُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَقِيلَ أُنِّثَ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ وَجَزَمَ الصَّغَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُؤَنَّثُ وَصَوَّبَ رِوَايَةَ أَحَدٍ وَحَقِيقَتُهُ لِلطَّائِرِ وَيُقَالُ لِغَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَاخْفِضْ لَهما جنَاح الذل وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ وَلَمْ يَقَعْ لِي فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ تَعْيِينُ الْجَنَاحِ الَّذِي فِيهِ الشِّفَاءُ مِنْ غَيْرِهِ لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ تَأَمَّلَهُ فَوَجَدَهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الْأَيْسَرِ فَعُرِفَ أَنَّ الْأَيْمَنَ هُوَ الَّذِي فِيهِ الشِّفَاءُ وَالْمُنَاسَبَةُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَفْسِيرُ الدَّاءِ الْوَاقِعِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ السُّمُّ فَيُسْتَغْنَى عَنِ التَّخْرِيجِ الَّذِي تَكَلَّفَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَقَالَ إِنَّ فِي اللَّفْظِ مَجَازًا وَهُوَ كَوْنُ الدَّاءِ فِي أَحَدِ الْجَنَاحَيْنِ فَهُوَ إِمَّا مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ وَالتَّقْدِيرُ فَإِنَّ فِي أحد جناحيه سَبَب دَاء وَإِمَّا مُبَالَغَةٌ بِأَنْ يُجْعَلَ كُلُّ الدَّاءِ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لَهُ وَقَالَ آخَرُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الدَّاءُ مَا يُعْرَضُ فِي نَفْسِ الْمَرْءِ مِنَ التَّكَبُّرِ عَنْ أَكْلِهِ حَتَّى رُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِتَرْكِ ذَلِكَ الطَّعَامِ وَإِتْلَافِهِ وَالدَّوَاءُ مَا يَحْصُلُ مِنْ قَمْعِ النَّفْسِ وَحَمْلِهَا عَلَى التَّوَاضُعِ قَوْلُهُ وَفِي الْآخَرِ شِفَاءٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَفِي الْأُخْرَى وَفِي نُسْخَةٍ وَالْأُخْرَى بِحَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءٌ وَالْآخَرِ شِفَاءٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِمَنْ يُجِيزُ الْعَطْفَ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ كَالْأَخْفَشِ وَعَلَى هَذَا فَيُقْرَأُ بِخَفْضِ الْآخَرِ وَبِنَصْبِ شِفَاءٍ فَعُطِفَ الْآخَرُ عَلَى الْأَحَدِ وَعُطِفَ شِفَاءٌ عَلَى دَاءٍ وَالْعَامِلُ فِي إِحْدَى حَرْفُ فِي وَالْعَامِلُ فِي دَاءٍ إِنَّ وَهُمَا عَامِلَانِ فِي الْآخَرِ وَشِفَاءٍ وَسِيبَوَيْهِ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ وَيَقُولُ إِنَّ حَرْفَ الْجَرِّ حُذِفَ وَبَقِيَ الْعَمَلُ وَقَدْ وَقَعَ صَرِيحًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَفِي الْأُخْرَى شِفَاءٌ وَيَجُوزُ رَفْعُ شِفَاءٍ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ لَا يَنْجَسُ بِوُقُوعِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ فِيهِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْمُرُ بِغَمْسِ مَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ إِذَا مَاتَ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إِفْسَادٌ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْ غَمْسِ الذُّبَابِ مَوْتُهُ فَقَدْ يَغْمِسُهُ بِرِفْقٍ فَلَا يَمُوتُ وَالْحَيُّ لَا يُنَجِّسُ مَا يَقَعُ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ الْبَغَوِيُّ بِاسْتِنْبَاطِهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ لَمْ يَقْصِدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَيَانَ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ وَإِنَّمَا قَصَدَ بَيَانَ التَّدَاوِي مِنْ ضَرَرِ الذُّبَابِ وَكَذَا لَمْ يَقْصِدْ بِالنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَالْإِذْنِ فِي مَرَاحِ الْغَنَمِ طَهَارَةً وَلَا نَجَاسَةً وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْخُشُوعَ لَا يُوجَدُ مَعَ الْإِبِلِ دُونَ الْغَنَمِ قُلْتُ وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ حُكْمٌ آخَرُ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِغَمْسِهِ يَتَنَاوَلُ صُوَرًا مِنْهَا أَنْ يَغْمِسَهُ مُحْتَرِزًا عَنْ مَوْتِهِ كَمَا هُوَ الْمُدَّعَى هُنَا وَأَنْ لَا يَحْتَرِزَ بَلْ يَغْمِسُهُ سَوَاءً مَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ وَيَتَنَاوَلُ مَا لَوْ كَانَ الطَّعَامُ حَارًّا فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَمُوتُ بِخِلَافِ الطَّعَامِ الْبَارِدِ فَلَمَّا لَمْ يَقَعِ التَّقْيِيدُ حُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ يُصَدَّقُ بِصُورَةٍ فَإِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى صُورَةٍ مُعينَة حمل عَلَيْهَا وَاسْتشْكل بن دَقِيقِ الْعِيدِ إِلْحَاقَ غَيْرِ الذُّبَابِ بِهِ فِي الحكم الْمَذْكُور بطرِيق أُخْرَى فَقَالَ وَرَدَ النَّصُّ فِي الذُّبَابِ فَعَدُّوهُ إِلَى كُلِّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي الذُّبَابِ قَاصِرَة وَهِي عُمُوم البلوي بِهِ وَهَذِهِ مُسْتَنْبَطَةٌ أَوِ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً وَهَذِهِ مَنْصُوصَةٌ وَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ لَا يُوجَدَانِ فِي غَيْرِهِ فَيَبْعُدُ كَوْنُ الْعِلَّةِ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ بَلِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ جُزْءُ عِلَّةٍ لَا عِلَّةٌ كَامِلَةٌ انْتَهَى وَقَدْ رَجَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَا يَعُمُّ وُقُوعُهُ فِي الْمَاءِ كَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ وَمَا لَا يَعُمُّ كَالْعَقَارِبِ يُنَجِّسُ وَهُوَ قَوِيٌّ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا

الصفحة 251