كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنْ سعيد بن جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرَاةً يُصَفِّرُونَ وَيُصَفِّقُونَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ مَنْ حرم زِينَة الله الْآيَة وَسَنَده صَحِيح وَأخرج الطَّبَرِيّ وبن أبي حَاتِم بأسانيد جِيَاد عَن أَصْحَاب بن عَبَّاسٍ كَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمَا نَحْوَهُ وَكَذَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالسُّدِّيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي طَوَافِ الْمُشْرِكِينَ بِالْبَيْتِ وَهُمْ عُرَاةٌ وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ طَاوُسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَلَكِنْ كَانُوا إِذَا طَافَ أَحَدُهُمْ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ ضُرِبَ وَانْتُزِعَتْ مِنْهُ يَعْنِي فَنَزَلَتْ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ سَقَطَ عَنِّي ثَوْبِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْ عَلَيْكَ ثَوْبَكَ وَلَا تَمْشُوا عُرَاةً قَوْلُهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ ثَبَتَ هَذَا التَّعْلِيقُ لِلْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ فَقَطْ وَسَقَطَ لِلْبَاقِينَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا مُعَلَّقَةً وَلَمْ يَصِلْهُ فِي مَكَانٍ آخَرَ وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِهِ وَلَمْ يَقَعِ الِاسْتِثْنَاءُ فِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ وَذَكَرَهُ الْحَارِثُ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَتِهِ وَتَصَدَّقُوا وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَوَقَعَ لَنَا مَوْصُولًا أَيْضًا فِي كِتَابِ الشُّكْرِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا بِتَمَامِهِ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ مِنْهُ وَهِيَ الزِّيَادَةُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَهَذَا مُصَيَّرٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ إِلَى تَقْوِيَةِ شَيْخِهِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَلَمْ أَرَ فِي الصَّحِيحِ إِشَارَةً إِلَيْهَا إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ قَلَبَ هَذَا الْإِسْنَادَ بَعْضُ الرُّوَاةِ فَصَحَّفَ وَالِدُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقَوْلُهُ عَنْ أَبِيه ذكر بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ الَّذِي بَعْدَهُ لِلْآيَةِ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ فِي الَّتِي قبلهَا كلوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ وَالْإِسْرَافُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي كُلِّ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ وَهُوَ فِي الْإِنْفَاقِ أَشْهَرُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَقَالَ تَعَالَى فَلَا يسرف فِي الْقَتْل وَالْمَخِيلَةُ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ وَهِيَ بِمَعْنَى الْخُيَلَاءِ وَهُوَ التكبر وَقَالَ بن التِّينِ هِيَ بِوَزْنِ مُفَعِّلَةٍ مِنَ اخْتَالَ إِذَا تَكَبَّرَ قَالَ وَالْخُيَلَاءُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَقَدْ يُكْسَرُ مَمْدُودًا التَّكَبُّرُ وَقَالَ الرَّاغِبُ الْخُيَلَاءُ التَّكَبُّرُ يَنْشَأُ عَن فَضِيلَة يتراءاها الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ وَالتَّخَيُّلُ تَصْوِيرُ خَيَالِ الشَّيْءِ فِي النَّفْسِ وَوَجْهُ الْحَصْرِ فِي الْإِسْرَافِ وَالْمَخِيلَةِ أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْ تَنَاوُلِهِ أَكْلًا وَلُبْسًا وَغَيْرِهِمَا إِمَّا لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَهُوَ الْإِسْرَافُ وَإِمَّا لِلتَّعَبُّدِ كَالْحَرِيرِ إِنْ لَمْ تَثْبُتْ عِلَّةُ النَّهْيِ عَنْهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ تَتَنَاوَلُ مُخَالَفَةَ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ فَيَدْخُلُ الْحَرَامُ وَقَدْ يَسْتَلْزِمُ الْإِسْرَافُ الْكِبْرَ وَهُوَ الْمَخِيلَةُ قَالَ الْمُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيفِ الْبَغْدَادِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ جَامِعٌ لِفَضَائِلِ تَدْبِيرِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ وَفِيهِ تَدْبِيرُ مَصَالِحِ النَّفْسِ وَالْجَسَدِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنَّ السَّرَفَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَضُرُّ بِالْجَسَدِ وَيَضُرُّ بِالْمَعِيشَةِ فَيُؤَدِّي إِلَى الْإِتْلَافِ وَيَضُرُّ بِالنَّفْسِ إِذْ كَانَتْ تَابِعَةً لِلْجَسَدِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ وَالْمَخِيلَةُ تَضُرُّ بِالنَّفْسِ حَيْثُ تُكْسِبُهَا الْعُجْبَ وَتَضُرُّ بِالْآخِرَةِ حَيْثُ تُكْسِبُ الْإِثْمَ وَبِالدُّنْيَا حَيْثُ تُكْسِبُ الْمَقْتَ من النَّاس قَوْله وَقَالَ بن عَبَّاسٍ كُلْ مَا شِئْتَ وَاشْرَبْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ وَصَلَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالدِّينَوَرِيُّ فِي الْمُجَالَسَةِ من رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَن بن عَبَّاس أما بن أَبِي شَيْبَةَ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِهِ وَأَمَّا الدِّينَوَرِيُّ فَلَمْ يَذْكُرِ السَّرَفَ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ

الصفحة 253