كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنَ الْخُيَلَاءِ)
أَيْ بِسَبَبِ الْخُيَلَاءِ أَوْرَدَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا وَمِثْلُهُ لِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ قَرِيبًا وَالْبَطَرُ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ قَالَ عِيَاضٌ جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ بَطَرًا بِفَتْحِ الطَّاءِ علىالمصدر وَبِكَسْرِهَا عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ جَرَّ أَيْ جَرَّهُ تَكَبُّرًا وَطُغْيَانًا وَأَصْلُ الْبَطَرِ الطُّغْيَانُ عِنْدَ النِّعْمَةِ وَاسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى التَّكَبُّرِ وَقَالَ الرَّاغِبُ أَصْلُ الْبَطَرِ دَهْشٌ يَعْتَرِي الْمَرْءَ عِنْدَ هُجُومِ النِّعْمَةِ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا

[5788] قَوْلُهُ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ أَيْ لَا يَرْحَمُهُ فَالنَّظَرُ إِذَا أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ كَانَ مَجَازًا وَإِذَا أُضِيفَ إِلَى الْمَخْلُوقِ كَانَ كِنَايَةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ نَظَرَ رَحْمَةٍ وَقَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَبَّرَ عَنِ الْمَعْنَى الْكَائِنِ عِنْدَ النَّظَرِ بِالنَّظَرِ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إِلَى مُتَوَاضِعٍ رَحِمَهُ وَمَنْ نَظَرَ إِلَى مُتَكَبِّرٍ مَقَتَهُ فَالرَّحْمَةُ وَالْمَقْتُ مُتَسَبِّبَانِ عَنِ النَّظَرِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ نِسْبَةُ النَّظَرِ لِمَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّظَرُ كِنَايَةً لِأَنَّ مَنِ اعْتَدَّ بِالشَّخْصِ التَفَتَ إِلَيْهِ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى صَارَ عِبَارَةً عَنِ الْإِحْسَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَظَرٌ وَلِمَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ حَقِيقَةُ النَّظَرِ وَهُوَ تَقْلِيبُ الْحَدَقَةِ وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَعْنَى الْإِحْسَانِ مَجَازٌ عَمَّا وَقَعَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كِنَايَةً وَقَوْلُهُ

الصفحة 258