كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

الْقِيَامَة ذكر طرق أُخْرَى للْحَدِيث الثَّانِي

[5791] قَوْلُهُ مُحَارِبٌ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَزْنُ مُقَاتِلٍ وَدِثَارٌ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَلَّثَةِ قَوْلُهُ مَكَانَهُ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ كَانَ مُحَارِبٌ قَدْ وَلِيَ قَضَاءَ الْكُوفَةِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ عَنْ أَبِيهِ رَأَيْتُ الْحَكَمَ وَحَمَّادًا فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ وَقَالَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ فِي الرَّجُلِ سِتُّ خِصَالٍ سَوَّدُوهُ الْحِلْمُ وَالْعَقْلُ وَالسَّخَاءُ وَالشَّجَاعَةُ وَالْبَيَانُ وَالتَّوَاضُعُ وَلَا يَكْمُلْنَ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا بِالْعَفَافِ وَقَدِ اجْتَمَعْنَ فِي هَذَا الرَّجُلِ يَعْنِي مُحَارِبَ بْنَ دِثَارٍ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ لَعَلَّ رُكُوبَهُ الْفَرَسَ كَانَ لِيَغِيظَ بِهِ الْكُفَّارَ وَيُرْهِبَ بِهِ الْعَدُوَّ وَتَعَقَّبَهُ بن التِّينِ بِأَنَّ رُكُوبَ الْخَيْلِ جَائِزٌ فَلَا مَعْنَى لِلِاعْتِذَارِ عَنْهُ قُلْتُ لَكِنَّ الْمَشْيَ أَقْرَبُ إِلَى التَّوَاضُعِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَنْزِلَهُ كَانَ بَعِيدًا عَنْ مَنْزِلِ حُكْمِهِ قَوْلُهُ فَقُلْتُ لِمُحَارِبٍ أَذْكُرُ إِزَارَهُ قَالَ مَا خَصَّ إِزَارًا وَلَا قَمِيصًا كَانَ سَبَبُ سُؤَالِ شُعْبَةَ عَنِ الْإِزَارِ أَنَّ أَكْثَرَ الطُّرُقِ جَاءَتْ بِلَفْظِ الْإِزَارِ وَجَوَابُ مُحَارَبٍ حَاصِلُهُ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالثَّوْبِ يَشْمَلُ الْإِزَارَ وَغَيْرَهُ وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِمَا اقْتَضَاهُ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ أَصْحَابُ السّنَن إِلَّا التِّرْمِذِيّ وَاسْتَغْرَبَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئًا خُيَلَاءَ الْحَدِيثَ كَحَدِيثِ الْبَابِ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ فِيهِ مَقَالٌ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بن أبي سميَّة عَن بن عُمَرَ قَالَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِزَارِ فَهُوَ فِي الْقَمِيصِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ إِنَّمَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِلَفْظِ الْإِزَارِ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ فِي عَهْدِهِ كَانُوا يَلْبَسُونَ الْإِزَارَ وَالْأَرْدِيَةَ فَلَمَّا لَبِسَ النَّاسُ الْقَمِيصَ وَالدَّرَارِيعَ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْإِزَارِ فِي النَّهْيِ قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ لَوْ لَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِالثَّوْبِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَفِي تَصْوِيرِ جَرِّ الْعِمَامَةِ نَظَرٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ مِنْ إِرْخَاءِ الْعَذْبَاتِ فَمَهْمَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ كَانَ مِنَ الْإِسْبَالِ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثَ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ السَّاعَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الْمِنْبَرِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَهَلْ يَدْخُلُ فِي الزَّجْرِ عَنْ جَرِّ الثَّوْبِ تَطْوِيلُ أَكْمَامِ الْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ أَطَالَهَا حَتَّى خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْحِجَازِيِّينَ دَخَلَ فِي ذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ مَا مَسَّ الْأَرْضَ مِنْهَا خُيَلَاءَ لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ قَالَ وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِ مَا زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا وَلَكِنْ حَدَثَ لِلنَّاسِ اصْطِلَاحٌ بِتَطْوِيلِهَا وَصَارَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ النَّاسِ شِعَارٌ يُعْرَفُونَ بِهِ وَمَهْمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْخُيَلَاءِ فَلَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ وَمَا كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْعَادَةِ فَلَا تَحْرِيمَ فِيهِ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى جَرِّ الذَّيْلِ الْمَمْنُوعِ وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنِ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَةَ كُلِّ مَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ وَعَلَى الْمُعْتَادِ فِي اللِّبَاسِ مِنَ الطُّولِ وَالسَّعَةِ قُلْتُ وَسَأَذْكُرُ الْبَحْثَ فِيهِ قَرِيبًا قَوْلُهُ تَابَعَهُ جَبَلَةُ بِفَتْح الْجِيم وَالْمُوَحَّدَة بن سحيم بمهملتين مصغر وَقَدْ وَصَلَ رِوَايَتَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنهُ عَن بن عُمَرَ بِلَفْظِ مَنْ جَرَّ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِهِ مِنْ مَخِيلَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَجَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ جَمِيعًا عَنِ بن عُمَرَ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ قَوْلُهُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ اللِّبَاسِ قَوْله وَزيد بن عبد الله أَي بن عُمَرَ يَعْنِي تَابَعُوا مُحَارِبَ بْنَ دِثَارٍ فِي رِوَايَته عَن بن عُمَرَ بِلَفْظِ الثَّوْبِ لَا بِلَفْظِ الْإِزَارِ جَزَمَ بِذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَمْ تَقَعْ لِي رِوَايَةُ زَيْدٍ مَوْصُولَةً بَعْدُ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة بن وهب عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ إِنَّ الَّذِي يَجُرُّ ثِيَابَهُ مِنَ الْخُيَلَاءِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَيَأْتِي لِمُسْلِمٍ مَقْرُونًا بسالم وَنَافِع وَأخرج البُخَارِيّ من رِوَايَة بن وهب عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ جَدِّهِ حَدِيثًا آخَرَ فَلَعَلَّ مُرَادَهُ

الصفحة 262