كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

أَنْقَى وَأَبْقَى فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنَّمَا هِيَ بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ فَقَالَ أَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ قَالَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا إِزَارُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ وَسَنَدُهُ قَبْلَهَا جَيِّدٌ وَقَوْلُهُ مَلْحَاءُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِمُهْمَلَةٍ قَبْلَهَا سُكُونٌ مَمْدُودَةٌ أَيْ فِيهَا خُطُوطٌ سُودٌ وَبِيضٌ وَفِي قِصَّةِ قَتْلِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِلشَّابِّ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ ارْفَعْ ثَوْبَكَ فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ وَيُتَّجَهُ الْمَنْعُ أَيْضًا فِي الْإِسْبَالِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ كَوْنُهُ مَظِنَّةَ الْخُيَلَاءِ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجَاوِزَ بِثَوْبِهِ كَعْبَهُ وَيَقُولُ لَا أَجُرُّهُ خُيَلَاءَ لِأَنَّ النَّهْيَ قَدْ تَنَاوَلَهُ لَفْظًا وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ حُكْمًا أَنْ يَقُولَ لَا أَمْتَثِلُهُ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ فِيَّ فَإِنَّهَا دَعْوَى غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ بَلْ إِطَالَتُهُ ذَيْلَهُ دَالَّةٌ عَلَى تَكَبُّرِهِ اه مُلَخَّصًا وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِسْبَالَ يَسْتَلْزِمُ جَرَّ الثَّوْبِ وَجَرُّ الثَّوْبِ يَسْتَلْزِمُ الْخُيَلَاءَ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ اللَّابِسُ الْخُيَلَاءَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بن منيع من وَجه آخر عَن بن عُمَرَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ رَفَعَهُ وَإِيَّاكَ وَجَرَّ الْإِزَارِ فَإِنَّ جَرَّ الْإِزَارِ مِنَ الْمَخِيلَةِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ لَحِقَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيُّ فِي حُلَّةٍ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ قَدْ أَسْبَلَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ بِنَاحِيَةِ ثَوْبه ويتواضع لله وَيَقُول عَبدك وبن عَبْدِكَ وَأَمَتِكَ حَتَّى سَمِعَهَا عَمْرٌو فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي حَمْشُ السَّاقَيْنِ فَقَالَ يَا عَمْرُو إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ يَا عَمْرُو إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُسْبِلَ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرٍو نَفْسِهِ لَكِنْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ فُلَانٍ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فَقَالَ عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ وَفِيهِ وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ تَحْتَ رُكْبَةِ عَمْرٍو فَقَالَ يَا عَمْرُو هَذَا مَوْضِعُ الْإِزَارِ ثُمَّ ضَرَبَ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ تَحْتَ الْأَرْبَعِ فَقَالَ يَا عَمْرُو هَذَا مَوْضِعُ الْإِزَارِ الْحَدِيثَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَمْرًا الْمَذْكُورَ لَمْ يَقْصِدْ بِإِسْبَالِهِ الْخُيَلَاءَ وَقَدْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةً وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الشَّرِيدِ الثَّقَفِيِّ قَالَ أَبْصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا قَدْ أَسْبَلَ إِزَارَهُ فَقَالَ ارْفَعْ إِزَارَكَ فَقَالَ إِنِّي أَحْنَفُ تَصْطَكُّ رُكْبَتَايَ قَالَ ارْفَعْ إِزَارَكَ فَكُلُّ خَلْقِ اللَّهِ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ مُسَدّد وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة من طرق عَن رجل من ثَقِيف لم يسم وَفِي آخِره ذَاكَ أَقْبَحُ مِمَّا بِسَاقِكَ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ بن أبي شيبَة عَن بن مَسْعُودٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ كَانَ يُسْبِلُ إِزَارَهُ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي حَمْشُ السَّاقَيْنِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَسْبَلَهُ زِيَادَةً عَلَى الْمُسْتَحَبِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ وَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ جَاوَزَ بِهِ الْكَعْبَيْنِ وَالتَّعْلِيلُ يُرْشِدُ إِلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ وَاللَّهُ أعلم وَأخرج النَّسَائِيّ وبن ماجة وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِرِدَاءِ سُفْيَانَ بْنِ سُهَيْلٍ وَهُوَ يَقُولُ يَا سُفْيَانُ لَا تُسْبِلْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المسبلين

الصفحة 264