كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)
الْبُخَارِيَّ لَمَّحَ بِذَلِكَ حَيْثُ ذَكَرَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ وَفِيهَا وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طول قَالَ بن الْمُنِيرِ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى أَنَّ ذِكْرَ مِثْلِ هَذَا إِنْ كَانَ لِلْبَيَانِ وَالتَّمْيِيزِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ لِلتَّنْقِيصِ لَمْ يَجُزْ قَالَ وَجَاءَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا أَنَّهَا قَصِيرَةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَبْتِيهَا وَذَلِكَ أَنَّهَا لم تفعل هَذَا بَيَانا وَإِنَّمَا قَصَدَتِ الْإِخْبَارَ عَنْ صِفَتِهَا فَكَانَ كَالِاغْتِيَابِ انْتَهَى والْحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه بن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْغَيْبَة وبن مردوية فِي التَّفْسِير وَفِي مِنْ طَرِيقِ حِبَّانَ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ
(قَوْلُهُ بَابُ الْغِيبَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا الْآيَةَ)
هَكَذَا اكْتَفَى بِذِكْرِ الْآيَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالنَّهْيِ عَنِ الْغِيبَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهَا كَمَا ذَكَرَ حُكْمَ النَّمِيمَةِ بَعْدَ بَابَيْنِ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّ النَّمِيمَةَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْغِيبَةِ وَفِي حُكْمِهَا فَأَمَّا حَدُّهَا فَقَالَ الرَّاغِبُ هِيَ أَنْ يَذْكُرَ الْإِنْسَانُ عَيْبَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مُحْوِجٍ إِلَى ذِكْرِ ذَلِكَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ حَدُّ الْغِيبَةِ أَنْ تَذْكُرَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُهُ لَو بلغه وَقَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْغِيبَةُ أَنْ تَذْكُرَ الْإِنْسَانَ فِي غَيْبَتِهِ بِسُوءٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ ذِكْرُ الْمَرْءِ بِمَا يَكْرَهُهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي بَدَنِ الشَّخْصِ أَوْ دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ خَلْقِهِ أَوْ خُلُقِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَالِدِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجِهِ أَوْ خَادِمِهِ أَو ثَوْبه أَو حركته أَو وطلاقته أَو عبوسته أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ سَوَاءٌ ذَكَرْتَهُ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ وَالرَّمْزِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمِمَّنْ يَسْتَعْمِلُ التَّعْرِيضَ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ فِي التَّصَانِيفِ وَغَيْرِهَا كَقَوْلِهِمْ قَالَ بَعْضُ مَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ أَوْ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الصَّلَاحِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَفْهَمُ السَّامِعُ الْمُرَادَ بِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ اللَّهُ يُعَافِينَا اللَّهُ يَتُوبُ عَلَيْنَا نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْغِيبَةِ وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا غِيبَةَ الشَّخْصِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُهُ قَالَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِي أَخِيكَ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ مَالِكٍ فَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِغِيبَةِ الشَّخْصِ فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي غِيبَتِهِ أَوْ فِي حُضُورِهِ وَالْأَرْجَحُ اخْتِصَاصُهَا بِالْغِيبَةِ مُرَاعَاةً لِاشْتِقَاقِهَا وَبِذَلِك جزم أهل اللُّغَة قَالَ بن التِّينِ الْغِيبَةُ ذِكْرُ الْمَرْءِ بِمَا يَكْرَهُهُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ وَكَذَا قَيَّدَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ فِي
الصفحة 469