كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ مِثْلَ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَكِن ذَكَرَ الزَّبِيبَ بَدَلَ الشَّعِيرِ وَسَنَدُهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي التَّفْسِيرِ من حَدِيث بن عُمَرَ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَإِنَّ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ لَخَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ مَا فِيهَا شَرَابُ الْعِنَبِ قَوْلُهُ الذُّرَةُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ مِنَ الْحُبُوبِ مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى فِي الْبَابِ قَبْلَهُ قَوْلُهُ وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ أَيْ غَطَّاهُ أَوْ خَالَطَهُ فَلَمْ يَتْرُكْهُ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ وَالْعَقْلُ هُوَ آلَةُ التَّمْيِيزِ فَلِذَلِكَ حُرِّمَ مَا غَطَّاهُ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَزُولُ الْإِدْرَاكُ الَّذِي طَلَبَهُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ لِيَقُومُوا بِحُقُوقِهِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ هَذَا تَعْرِيفٌ بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَأَمَّا بِحَسَبِ الْعُرْفِ فَهُوَ مَا يُخَامِرُ الْعَقْلَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ خَاصَّةً كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عُمَرَ لَيْسَ فِي مَقَامِ تَعْرِيفِ اللُّغَةِ بَلْ هُوَ فِي مَقَامِ تَعْرِيفِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْخَمْرُ الَّذِي وَقَعَ تَحْرِيمُهُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ هُوَ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ عَلَى أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ اخْتِلَافًا فِي ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ الْخَمْرَ فِي اللُّغَةِ يَخْتَصُّ بِالْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ فَالِاعْتِبَارُ بِالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَدْ تَوَارَدَتِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ الْمُسْكِرَ مِنَ الْمُتَّخَذِ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ يُسَمَّى خَمْرًا وَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَيْسَ الْمُرَادُ الْحَصْرَ فِيهِمَا لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْخَمْرَ تُتَّخَذُ مِنْ غَيْرِهِمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْخَمْرَ شَرْعًا لَا تَخْتَصُّ بِالْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ قُلْتُ وَجَعَلَ الطَّحَاوِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مُتَعَارِضَةً وَهِيَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَنَّ الْخَمْرَ مِنْ شَيْئَيْنِ مَعَ حَدِيثِ عُمَرَ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ الْخمر تتَّخذ من غَيرهمَا وَكَذَا حَدِيث بن عُمَرَ لَقَدْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ وَحَدِيثُ أَنَسٍ يَعْنِي الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهُ وَبَيَانُ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ مِنْهَا إِنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ وَشَرَابُهُمُ الفضيخ وَفِي لفظ لَهُ وَأَنا نَعُدُّهَا يَوْمئِذٍ خَمْرًا وَفِي لَفْظٍ لَهُ إِنَّ الْخَمْرَ يَوْمَ حُرِّمَتِ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ قَالَ فَلَمَّا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي ذَلِكَ وَوَجَدْنَا اتِّفَاقَ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ عَصِيرَ الْعِنَبِ إِذَا اشْتَدَّ وَغَلَى وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ فَهُوَ خَمْرٌ وَأَنَّ مُسْتَحِلَّهُ كَافِرٌ دلّ على أَنهم لم يعلمُوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذْ لَوْ عَمِلُوا بِهِ لَكَفَّرُوا مُسْتَحِلَّ نَبِيذِ التَّمْرِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْخَمْرِ غَيْرُ الْمُتَّخَذِ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ اه وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ لَمْ يُكَفِّرُوا مُسْتَحِلَّ نَبِيذِ التَّمْرِ أَنْ يَمْنَعُوا تَسْمِيَتَهُ خَمْرًا فَقَدْ يَشْتَرِكُ الشَّيْئَانِ فِي التَّسْمِيَةِ وَيَفْتَرِقَانِ فِي بَعْضِ الْأَوْصَافِ مَعَ أَنَّهُ هُوَ يُوَافِقُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْمُسْكِرِ مِنْ نَبِيذِ التَّمْرِ حُكْمُ قَلِيلِ الْعِنَبِ فِي التَّحْرِيمِ فَلَمْ تَبْقَ الْمُشَاحَحَةُ إِلَّا فِي التَّسْمِيَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ بِحَمْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الْغَالِبِ أَيِ أَكْثَرُ مَا يُتَّخَذُ الْخَمْرُ مِنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ عُمَرَ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى إِرَادَةِ اسْتِيعَابِ ذِكْرِ مَا عُهِدَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْخَمْرُ وَأَمَّا قَوْلُ بن عُمَرَ فَعَلَى إِرَادَةِ تَثْبِيتِ أَنَّ الْخَمْرَ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا يُتَّخَذُ مِنَ الْعِنَبِ لِأَنَّ نُزُولَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لَمْ يُصَادِفْ عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِالتَّحْرِيمِ حِينَئِذٍ إِلَّا مَا يُتَّخَذُ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ أَوْ عَلَى إِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فَأَطْلَقَ نَفْيَ وُجُودِهَا بِالْمَدِينَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِيهَا بِقِلَّةٍ فَإِنَّ تِلْكَ الْقِلَّةَ بِالنِّسْبَةِ لِكَثْرَةِ الْمُتَّخَذِ مِمَّا عَدَاهَا كَالْعَدَمِ وَقَدْ قَالَ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ سُمِّيَ الْخَمْرُ لِكَوْنِهِ خَامِرًا لِلْعَقْلِ أَيْ سَاتِرًا لَهُ وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لِلْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ خَاصَّةً وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لِلْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لِغَيْرِ الْمَطْبُوخِ فَرُجِّحَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَسْتُرُ الْعَقْلَ يُسَمَّى خَمْرًا حَقِيقَةً وَكَذَا قَالَ أَبُو نَصْرِ بْنُ الْقُشَيْرِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ سُمِّيَتِ الْخَمْرُ خَمْرًا لِسَتْرِهَا الْعَقْلَ أَوْ لِاخْتِمَارِهَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ الْجَوْهَرِي وَنقل عَن بن الْأَعْرَابِيِّ قَالَ سُمِّيَتِ الْخَمْرُ لِأَنَّهَا تُرِكَتْ حَتَّى اخْتَمَرَتْ وَاخْتِمَارُهَا تَغَيُّرُ رَائِحَتِهَا وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لمخامرتها الْعقل نعم جزم بن سيدة فِي

الصفحة 47