كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَبَكَى وَفِيهِ وَمَا يُعَذَّبَانِ إِلَّا فِي الْغِيبَةِ وَالْبَوْلِ وَلِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ شَبَابَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى قَبْرٍ يُعَذَّبُ صَاحِبُهُ فَقَالَ إِنَّ هَذَا كَانَ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ رَطْبَةٍ الْحَدِيثَ وَرُوَاتُهُ مُوَثَّقُونَ وَلِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَن بن عَبَّاسٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ مِثْلُهُ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ فِي التَّفْسِيرِ وَأَكْلُ لُحُومِ النَّاسِ يَصْدُقُ عَلَى النَّمِيمَةِ وَالْغِيبَةِ وَالظَّاهِرُ اتِّحَادُ الْقِصَّةِ وَيَحْتَمِلُ التَّعَدُّدُ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الطَّهَارَة

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ)
ذَكَرَ فِيهِ أَوَّلَ حَدِيثِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي المناقب بِتَمَامِهِ وَفِي إِيرَاد هَذِهِ التَّرْجَمَةُ هُنَا إِشْكَالٌ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنَ الْغِيبَةِ أَصْلًا إِلَّا إِنْ أُخِذَ مِنْ أَنَّ الْمُفَضَّلَ عَلَيْهِمْ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ فَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ وَيَكُونُ مَحَلَّ الزَّجْرِ إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَأَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْغِيبَةِ وَلَوْ كَرِهَهُ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا يُذْكَرُ لِقَصْدِ النَّصِيحَةِ مِنْ بَيَانِ غَلَطِ مَنْ يَخْشَى أَنْ يُقَلَّدَ أَوْ يُغْتَرَّ بِهِ فِي أَمْرٍ مَا فَلَا يَدْخُلُ ذِكْرُهُ بِمَا يَكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَإِلَيْهِ يُشِيرُ مَا تَرْجَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَقِبَ هَذَا وَقَالَ بن التِّينِ فِي حَدِيثِ أَبِي أُسَيْدٍ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ النَّاسِ لِمَنْ يَكُونُ عَالِمًا بِأَحْوَالِهِمْ لِيُنَبِّهَ عَلَى فَضْلِ الْفَاضِلِ وَمَنْ لَا يَلْحَقُ بِدَرَجَتِهِ فِي الْفَضْلِ فَيُمْتَثَلُ أَمْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَنْزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ ذَلِك بغيبة قَوْلُهُ بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ اغْتِيَابِ أَهْلِ الْفَسَادِ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي

[6054] قَوْلِهِ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَرِيبًا فِي بَابِ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَقَدْ نُوزِعَ فِي كَوْنِ مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ غِيبَةً وَإِنَّمَا هُوَ نَصِيحَةٌ لِيَحْذَرَ السَّامِعُ وَإِنَّمَا لَمْ يُوَاجِهِ الْمَقُولَ فِيهِ بِذَلِكَ لِحُسْنِ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ وَاجَهَ الْمَقُولَ فِيهِ بِذَلِكَ لَكَانَ حَسَنًا وَلَكِنْ حَصَلَ الْقَصْدُ بِدُونِ مُوَاجَهَةٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ صُورَةَ الْغِيبَةِ مَوْجُودَةٌ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلِ الْغِيبَةَ الْمَذْمُومَةَ شَرْعًا وَغَايَتُهُ أَنَّ تَعْرِيفَ الْغِيبَةِ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا هُوَ اللُّغَوِيُّ وَإِذَا اسْتُثْنِيَ مِنْهُ مَا ذُكِرَ كَانَ ذَلِكَ تَعْرِيفهَا الشَّرْعِيّ وَقَوله فِي الْحَدِيثِ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ كَالتَّعْلِيلِ لِتَرْكِهِ مُوَاجَهَتَهُ بِمَا ذَكَرَهُ فِي غِيبَتِهِ ويستنبط مِنْهُ

الصفحة 471