كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

(قَوْلُهُ بَابُ الْحَذَرِ مِنَ الْغَضَبِ)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غضبوا هم يغفرون وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاء والكاظمين الغيظ الْآيَةَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى قَوْلِهِ الْمُحْسِنِينَ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فِي الْبَابِ فَعِنْدَ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يَصْطَرِعُونَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا فُلَانٌ مَا يُصَارِعُ أَحَدًا إِلَّا صَرَعَهُ قَالَ أَفَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ رَجُلٌ كَلَّمَهُ رَجُلٌ فَكَظَمَ غَيْظَهُ فَغَلَبَهُ وَغَلَبَ شَيْطَانَهُ وَغَلَبَ شَيْطَانَ صَاحِبِهِ رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَلَيْسَ فِي الْآيَتَيْنِ دَلَالَةٌ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الْغَضَبِ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا ضَمَّ مَنْ يَكْظِمُ غَيْظَهُ إِلَى مَنْ يَجْتَنِبُ الْفَوَاحِشَ كَانَ فِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَقْصُودِ

[6114] قَوْلُهُ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الَّذِي يَصْرَعُ النَّاسَ كَثِيرًا بِقُوَّتِهِ وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الصِّفَةِ وَالصُّرْعَةُ بِسُكُونِ الرَّاءِ بِالْعَكْسِ وَهُوَ مَنْ يَصْرَعُهُ غَيْرُهُ كَثِيرًا وَكُلُّ مَا جَاءَ بِهَذَا الْوَزْنِ بِالضَّمِّ وَبِالسُّكُونِ فَهُوَ كَذَلِكَ كَهُمْزَةٍ وَلُمْزَةٍ وَحُفْظَةٍ وَخُدْعَةٍ وَضُحْكَةٍ وَوَقَعَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَوَّلُهُ مَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ قَالُوا الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ قَالَ بن التِّينِ ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ بِسُكُونِهَا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ عَكْسُ الْمَطْلُوبِ قَالَ وَضُبِطَ أَيْضًا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ بِفَتْحِ الصَّادِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَوْلُهُ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الصُّرَعَةُ كُلُّ الصُّرَعَةِ كَرَّرَهَا ثَلَاثًا الَّذِي يَغْضَبُ فَيَشْتَدُّ غَضَبُهُ وَيَحْمَرُّ وَجْهُهُ فَيَصْرَعُ غَضَبَهُ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ السِّبَابِ وَاللَّعْنِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ

[6116] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ هُوَ الزِّمِّيُّ بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ لَمْ أَرَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ رِوَايَةً إِلَّا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَأَبُو حَصِينٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خَالَفَهُ الْأَعْمَشِ فَقَالَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا لَوْلَا عَنْعَنَةُ الْأَعْمَشِ قَوْلُهُ إِنَّ رَجُلًا هُوَ جَارِيَةُ بِالْجِيم بن قدامَة أخرجه أَحْمد وبن حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ مُبْهَمًا وَمُفَسَّرًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَسَّرَ بِغَيْرِهِ فَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي قَوْلًا أَنْتَفِعُ بِهِ وَأَقْلِلْ قَالَ لَا تَغْضَبْ وَلَكَ الْجَنَّةُ وَفِيهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ لَا تغْضب وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي قَوْلًا وَأَقْلِلْ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ قَوْلُهُ أَوْصِنِي فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ دُلَّنِي على عمل يدخلني الْجنَّة وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ أَحْمَدَ مَا يُبَاعِدُنِي مِنْ غَضَبِ اللَّهِ زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ لَعَلِّي أَعِيهِ وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ نَحْوُهُ قَوْلُهُ فَرَدَّدَ مِرَارًا أَيْ رَدَّدَ السُّؤَال يلْتَمس أَنْفَع من ذَلِك أَو أبلغ أَوْ أَعَمَّ فَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ قَالَ لَا تَغْضَبْ فِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ كل ذَلِك

الصفحة 519