كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

الْمَفْسَدَةِ مِمَّا يَتَعَذَّرُ إِحْصَاؤُهُ وَالْوُقُوفُ عَلَى نِهَايَتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْغَضَبِ الدُّنْيَوِيِّ لَا الْغَضَبِ الدِّينِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَيُعِينُ عَلَى تَرْكِ الْغَضَبِ اسْتِحْضَارُ مَا جَاءَ فِي كَظْمِ الْغَيْظِ مِنَ الْفَضْلِ وَمَا جَاءَ فِي عَاقِبَةِ ثَمَرَةِ الْغَضَبِ مِنَ الْوَعِيدِ وَأَنْ يَسْتَعِيذَ مِنَ الشَّيْطَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَأَنْ يَتَوَضَّأَ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ عَطِيَّةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الطُّوفِيُّ أَقْوَى الْأَشْيَاءِ فِي دَفْعِ الْغَضَبِ اسْتِحْضَارُ التَّوْحِيدِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنْ لَا فَاعِلَ إِلَّا اللَّهُ وَكُلُّ فَاعِلٍ غَيْرُهُ فَهُوَ آلَةٌ لَهُ فَمَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِمَكْرُوهٍ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فَاسْتَحْضَرَ أَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَمْ يُمَكِّنْ ذَلِكَ الْغَيْرَ مِنْهُ انْدَفَعَ غَضَبُهُ لِأَنَّهُ لَوْ غَضِبَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ غَضَبُهُ عَلَى رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا وَهُوَ خِلَافُ الْعُبُودِيَّةِ قُلْتُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ السِّرُّ فِي أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي غَضِبَ بِأَنْ يَسْتَعِيذَ مِنَ الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى اللَّهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ أَمْكَنَهُ اسْتِحْضَارُ مَا ذُكِرَ وَإِذَا اسْتَمَرَّ الشَّيْطَانُ مُتَلَبِّسًا مُتَمَكِّنًا مِنَ الْوَسْوَسَةِ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنَ استحضار شَيْء من ذَلِك وَالله أعلم

(قَوْلُهُ بَابُ الْحَيَاءِ)
بِالْمَدِّ تَقَدَّمَ تَعْرِيفُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَوَقَعَ لِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّ أَصْلَ الْحَيَاءِ الِامْتِنَاعُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الِانْقِبَاضِ وَالْحَقُّ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيَاءِ وَلَازِمُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ أَصْلَهُ وَلَمَّا كَانَ الِامْتِنَاعُ لَازِمَ الْحَيَاءِ كَانَ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى مُلَازَمَةِ الْحَيَاءِ حَضٌّ عَلَى الِامْتِنَاع عَن فعل مَا يعاب وَالْحيَاء بِالْقصرِ الْمَطَر وَذكر فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث الأول

[6117] قَوْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ كَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ وَخَالَفَهُمْ شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ فَقَالَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ بَدَلَ قَتَادَةَ أخرجه بن مَنْدَهْ وَوَقَعَ نَظِيرُ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَنْ عِمْرَانَ بن حُصَيْن أَيْضا للعلاء بن زِيَاد أخرجه بن الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي السَّوَّارِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ رَاءٌ اسْمُهُ حُرَيْثٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ حُجَيْرُ بْنُ الرَّبِيعِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْدَ مُسْلِمٍ سَمِعْتُ أَبَا السَّوَّارِ قَوْلُهُ الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ فِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي السَّوَّارِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ الْعَدَوِيِّ عَنْ عِمْرَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ

الصفحة 521