كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

وَكَانَ فِي الْحَيَاءِ الْمُكْتَسَبِ فِي الذُّرْوَةِ الْعُلْيَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى وَبِهَذَا تعرف مُنَاسبَة ذكر الحَدِيث الثَّالِث هُنَا وَقد تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ

[6119] عَنْ مَوْلَى أَنَسٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَحَكَى الْجَيَّانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْفَرَبْرِيِّ عَبْدُ اللَّهِ بَدَلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورُ هُوَ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا جَزَمَ بِتَسْمِيَتِهِ هُنَا وَتَقَدَّمَ كَذَلِكَ مُسَمًّى هُنَاكَ وَفِي اسْمِهِ خِلَافٌ فَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ مُكَبَّرًا وَقَوْلُهُ الْعَذْرَاءِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ رَاءٌ وَمَدٌّ هِيَ الْبِكْرُ وَالْخِدْرُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُحْبَسُ فِيهِ وَتَسْتَتِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ)
كَذَا تَرْجَمَ بِلَفْظِ الْحَدِيثِ وَضَمَّهُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ إِلَى تَرْجَمَةِ الْحَيَاءِ

[6120] قَوْلُهُ زُهَيْرٌ هُوَ بن مُعَاوِيَة أَبُو خَيْثَمَة وَمَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ عَلَى رِبْعِيِّ فِي آخِرِ ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلُهُ إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ إِنَّ آخِرَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى وَالنَّاسُ يَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ وَالْعَائِدُ عَلَى مَا مَحْذُوفٌ وَيَجُوزُ النَّصْبُ وَالْعَائِدُ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ وَأَدْرَكَ بِمَعْنَى بَلَغَ وَإِذَا لَمْ تَسْتَحِ اسْمٌ لِلْكَلِمَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِتَأْوِيلِ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْحِكْمَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ دُونَ الْخَبَرِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِي يَكُفُّ الْإِنْسَانَ عَنْ مُوَاقَعَةِ الشَّرِّ هُوَ الْحَيَاءُ فَإِذَا تَرَكَهُ صَارَ كَالْمَأْمُورِ طَبْعًا بِارْتِكَابِ كُلِّ شَرٍّ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ وَالْإِشَارَةُ إِلَى شَرْحِهِ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي أَوَاخِرِ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَأُشِيرَ هُنَا إِلَى زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأَمْرُ فِيهِ لِلْإِبَاحَةِ أَيْ إِذَا أَرَدْتَ فِعْلَ شَيْءٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَسْتَحِي إِذَا فَعَلْتَهُ مِنَ اللَّهِ وَلَا مِنَ النَّاسِ فَافْعَلْهُ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ يُسْتَحَى مِنْ تَرْكِهِ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ الْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ يُسْتَحَى مِنْ فِعْلِهِ وَأَمَّا الْمُبَاحُ فَالْحَيَاءُ مِنْ فِعْلِهِ جَائِزٌ وَكَذَا مَنْ تَرَكَهُ فَتَضَمَّنَ الْحَدِيثُ الْأَحْكَامَ الْخَمْسَةَ وَقِيلَ هُوَ أَمْرُ تَهْدِيدٍ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ وَمَعْنَاهُ إِذَا نُزِعَ مِنْكَ الْحَيَاءُ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّ اللَّهَ مُجَازِيكَ عَلَيْهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَعْظِيمِ أَمْرِ الْحَيَاءِ وَقِيلَ هُوَ أَمر بِمَعْنى الْخَبَر أَيْ مَنْ لَا يَسْتَحِي يَصْنَعُ مَا أَرَادَ

الصفحة 523