كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

حِبَّانَ وَمَنْ حَسِبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامه إِلَّا فِيمَا يعنيه ثَانِيهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ أَوْرَدَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْهُ وَفِي أَحَدِهِمَا مَا لَيْسَ فِي الْآخَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ كُلُّ ذَلِكَ فِي بَابِ إِكْرَامِ الْجَارِ بِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ وَبَيَانُ الْمُرَادِ بِهِ قَالَ الطُّوفِيُّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ انْتِفَاءُ الْإِيمَانِ عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ أُرِيدَ بِهِ الْمُبَالَغَةُ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ إِنْ كُنْتَ ابْنِي فَأَطِعْنِي تَهْيِيجًا لَهُ عَلَى الطَّاعَةِ لَا أَنَّهُ بِانْتِفَاءِ طَاعَته يَنْتَفِي أَنه ابْنه ثَالِثهَا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلَا يَقْرُونَنَا الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ قَالَ السُّهَيْلِيُّ رُوِيَ جَائِزَتُهُ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَبِالنَّصْبِ عَلَى بَدَلِ الِاشْتِمَالِ أَيْ يُكْرَمُ جَائِزَتَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً قَوْلُهُ وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ قَالَ بن بَطَّالٍ سُئِلَ عَنْهُ مَالِكٌ فَقَالَ يُكْرِمُهُ وَيُتْحِفُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ضِيَافَةٌ قُلْتُ وَاخْتَلَفُوا هَل الثَّلَاث غير الأول أَو بعد مِنْهَا فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يَتَكَلَّفُ لَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِالْبِرِّ وَالْإِلْطَافِ وَفِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ يُقَدِّمُ لَهُ مَا حَضَرَهُ وَلَا يَزِيدُهُ عَلَى عَادَتِهِ ثُمَّ يُعْطِيهِ مَا يَجُوزُ بِهِ مَسَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَتُسَمَّى الْجِيزَةُ وَهِيَ قَدْرُ مَا يَجُوزُ بِهِ الْمُسَافِرُ مِنْ مَنْهَلٍ إِلَى مَنْهَلٍ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ أَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ أَنْ يُتْحِفَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْبر على مَا بِحَضْرَتِهِ يَوْمًا وَلَيْلَة وَفِي الْيَوْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ يُقَدِّمُ لَهُ مَا يَحْضُرُهُ فَإِذَا مَضَى الثَّلَاثُ فَقَدْ قَضَى حَقَّهُ فَمَا زَادَ عَلَيْهَا مِمَّا يُقَدِّمُهُ لَهُ يَكُونُ صَدَقَةً وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ بِلَفْظِ الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَجَابَ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهَا جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى كَأَنَّهُ قِيلَ كَيْفَ يُكْرِمُهُ قَالَ جَائِزَتُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ زَمَانُ جَائِزَتِهِ أَيْ بِرُّهُ وَالضِّيَافَةُ يَوْمُ وَلَيْلَةٌ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَلَى الْيَوْمِ الْأَخِيرِ أَيْ قَدْرَ مَا يَجُوزُ بِهِ الْمُسَافِرُ مَا يَكْفِيهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ انْتَهَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَجَائِزَتُهُ بَيَانًا لِحَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْمُسَافِرَ تَارَةً يُقِيمُ عِنْدَ مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فَهَذَا لَا يُزَادُ عَلَى الثَّلَاثِ بِتَفَاصِيلِهَا وَتَارَةً لَا يُقِيمُ فَهَذَا يُعْطَى مَا يَجُوزُ بِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَعَلَّ هَذَا أَعْدَلُ الْأَوْجُهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتَدَلَّ بِجَعْلِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ صَدَقَةً عَلَى أَنَّ الَّذِي قَبْلَهَا وَاجِبٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِتَسْمِيَتِهِ صَدَقَةً التَّنْفِيرُ عَنْهُ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ خُصُوصًا الْأَغْنِيَاءَ يَأْنَفُونَ غَالِبًا مِنْ أَكْلِ الصَّدَقَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَجْوِبَةُ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الضِّيَافَةَ فِي شَرْحِ حَدِيث عقبَة وَاسْتدلَّ بن بَطَّالٍ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ جَائِزَتُهُ قَالَ وَالْجَائِزَةُ تَفَضُّلٌ وَإِحْسَانٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَائِزَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَطِيَّةَ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ وَهِيَ مَا يُعْطَاهُ الشَّاعِرُ وَالْوَافِدُ فَقَدْ ذَكَرَ فِيِ الْأَوَائِلِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ سَمَّاهَا جَائِزَةً بَعْضُ الْأُمَرَاءِ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَائِزَةِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُعْطِيهِ مَا يُغْنِيهِ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ قَبْلُ قُلْتُ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْمُرَادِ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الْعَطِيَّةِ لِلشَّاعِرِ وَنَحْوِهِ جَائِزَةً فَلَيْسَ بِحَادِثٍ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَجِيزُوا الْوَفْدَ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ أَلَا أُعْطِيكَ أَلَا أَمْنَحُكَ أَلَا أُجِيزُكَ فَذَكَرَ حَدِيثَ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اسْتِعْمَالهَا كَذَلِك لَيْسَ بحادث قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِي عِنْدَهُ قَالَ بن التِّينِ هُوَ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِفَتْحِهَا فِي الْمَاضِي وَبِكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ قَوْلُهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مِنَ الْحَرَجِ وَهُوَ الضِّيقُ والثواء بِالتَّخْفِيفِ وَالْمدّ وَالْإِقَامَة بِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حَتَّى يُؤَثِّمَهُ أَيْ يُوقِعَهُ فِي الْإِثْمِ لِأَنَّهُ قد يغتابه

الصفحة 533