كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ هِلَالٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ وَذَلِكَ الْغُلَامُ مِنْ أَتْرَابِي يَوْمَئِذٍ وَالْأَتْرَابُ جَمْعُ تِرْبٍ بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَهُمُ الْمُتَمَاثِلُونَ شُبِّهُوا بِالتَّرَائِبِ الَّتِي هِيَ ضُلُوعٌ لِلصَّدْرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ فِي آخِرِهِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بعد غُلَام قَالَ بن بَشْكُوَالَ اسْمُ هَذَا الْغُلَامِ مُحَمَّدٌ وَاحْتَجَّ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلِمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ وَغُلَامٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ الْحَدِيثَ قَالَ وَقِيلَ اسْمُهُ سَعْدٌ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَنِ السَّاعَةِ فَذَكَرَ حَدِيثًا قَالَ فَنَظَرَ إِلَى غُلَامٍ مِنْ دَوْسٍ يُقَالُ لَهُ سَعْدٌ وَهَذَا أَخْرَجَهُ الْبَارُودِيُّ فِي الصَّحَابَةِ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أنس نَحوه وَأخرجه بن مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَنَسٍ وَقَالَ فِيهِ مَرَّ سَعْدٌ الدَّوْسِيُّ قَالَ وَرَوَاهُ قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الْحَسَنِ فَقَالَ فِيهِ فَقَالَ لِشَابٍّ مِنْ دَوْسٍ يُقَالُ لَهُ بن سَعْدٍ قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسٍ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى غُلَامٍ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ فَيَحْتَمِلُ التَّعَدُّدُ أَوْ كَانَ اسْمُ الْغُلَامِ سَعْدًا وَيُدْعَى مُحَمَّدًا أَوْ بِالْعَكْسِ وَدَوْسٌ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَالَفَ الْأَنْصَارَ قَوْلُهُ فَقَالَ إِنْ أُخِّرَ هَذَا فَلَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَلَنْ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ وَهِيَ أَوْلَى وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ إِنْ يَعِشْ هَذَا الْغُلَامُ فَعَسَى أَنْ لَا يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ وَفِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ هِلَالٍ لَئِنْ عَمَّرَ هَذَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ كَذَا فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا بِإِسْنَادِ الْإِدْرَاكِ لِلْهَرَمِ وَلَوْ أُسْنِدَ لِلْغُلَامِ لَكَانَ سَائِغًا وَلَكِنْ أُشِيرَ بِالْأَوَّلِ إِلَى أَنَّ الْأَجَلَ كَالْقَاصِدِ لِلشَّخْصِ قَوْلُهُ حَتَّى تقوم السَّاعَة وَقع فِي رِوَايَة الباوردي الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا بَدَلَ قَوْلِهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ لَا يَبْقَى مِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ وَبِهَذَا يَتَّضِحُ الْمُرَادُ وَلَهُ فِي أُخْرَى مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ فِي آخِرِ عُمْرِهِ أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمُ عَلَيْهَا أَحَدٌ وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ يَظُنُّونَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الدُّنْيَا تَنْقَضِي بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ فَلِذَلِكَ قَالَ الصَّحَابِيُّ فَوَهِلَ النَّاسُ فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ انْخِرَامَ قَرْنِهِ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ عِيَاضٌ مُخْتَصَرًا قُلْتُ وَوَقَعَ فِي الْخَارِجِ كَذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ مَقَالَتِهِ تِلْكَ عِنْدَ اسْتِكْمَالِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ سَنَةِ مَوْتِهِ أَحَدٌ وَكَانَ آخِرُ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْتًا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَة كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ سَاعَةُ الَّذِينَ كَانُوا حَاضِرِينَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ الْمُرَادَ مَوْتُهُمْ وَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى يَوْمِ مَوْتِهِمُ اسْمَ السَّاعَةِ لِإِفْضَائِهِ بِهِمْ إِلَى أُمُورِ الْآخِرَةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ اسْتَأْثر بِعلم وَقت قِيَامِ السَّاعَةِ الْعُظْمَى كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ الْمُبَالَغَةَ فِي تَقْرِيبِ قِيَامِ السَّاعَةِ لَا التَّحْدِيدَ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهَا تَقُومُ عِنْدَ بُلُوغِ الْمَذْكُورِ الْهَرَمَ قَالَ وَهَذَا عَمَلٌ شَائِعٌ لِلْعَرَبِ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُبَالَغَةِ عِنْدَ تَفْخِيمِ الْأَمْرِ وَعِنْدَ تَحْقِيرِهِ وَعِنْدَ تَقْرِيبِ الشَّيْءِ وَعِنْدَ تَبْعِيدِهِ فَيَكُونُ حَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ قَرِيبًا جِدًّا وَبِهَذَا الِاحْتِمَالِ الثَّانِي جَزَمَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَشَارِقِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ الْمَحْفُوظُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ لِلَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ تَأْتِيكُمْ سَاعَتُكُمْ يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْتَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْرَابًا فَخَشِيَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ لَا أَدْرِي مَتَى السَّاعَةُ فَيَرْتَابُوا فَكَلَّمَهُمْ بِالْمَعَارِيضِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ كَانَ الْأَعْرَابُ إِذَا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ مَتَى السَّاعَةُ فَيَنْظُرُ إِلَى أَحْدَثِ إِنْسَانٍ

الصفحة 556