كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ)
أَيْ هَلْ يُبَاحُ أَوْ يُكْرَهُ وَقَدِ اسْتَوْعَبَ الْأَخْبَارَ الدَّالَّةَ عَلَى الْجَوَازِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ آدَابُ الْحُكَمَاءِ وَجَزَمَ بِجَوَازِ ذَلِكَ فَقَالَ لِلْمَرْءِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِسُلْطَانِهِ وَلِكَبِيرِهِ وَلِذَوِي الْعِلْمِ وَلِمَنْ أَحَبَّ مِنْ إِخْوَانِهِ غَيْرَ مَحْظُورٍ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَلْ يُثَابُ عَلَيْهِ إِذَا قَصَدَ تَوْقِيرَهُ وَاسْتِعْطَافَهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَحْظُورًا لَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِلَ ذَلِكَ وَلَأَعْلَمَهُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ لِأَحَدٍ غَيْرَهُ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ لِأَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي مَنَاقِبِ أبي بكر مَعَ شَرحه ثمَّ ذكر حَدِيث أنس فِي إرداف صَفِيَّة وَقد تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ اللِّبَاسِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ قَوْلُ أَبِي طَلْحَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ هَلْ أَصَابَكَ شَيْءٌ وَقَدْ تَرْجَمَ أَبُو دَاوُدَ نَحْوَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَسَاقَ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ الْحَدِيثَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ فِي التَّرْجَمَةِ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ ذَلِكَ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ دَخَلَ الزُّبَيْرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ شَاكٍ فَقَالَ كَيْفَ تَجِدُكَ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ مَا تَرَكْتَ أَعْرَابِيَّتَكَ بَعْدُ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ ثُمَّ قَالَ لَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَنْعِ لِأَنَّهُ لَا يُقَاوِمُ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ فِي الصِّحَّةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ صَرِيحُ الْمَنْعِ بَلْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ تَرْكُ الْأَوْلَى فِي الْقَوْلِ لِلْمَرِيضِ إِمَّا بِالتَّأْنِيسِ وَالْمُلَاطَفَةِ وَإِمَّا بِالدُّعَاءِ وَالتَّوَجُّعِ فَإِنْ قِيلَ إِنَّمَا سَاغَ ذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي دَعَا بِذَلِكَ كَانَ أَبَوَاهُ مُشْرِكَيْنِ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي طَلْحَةَ كَانَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ وَكَذَا أَبُو ذَرٍّ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ كَانَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ أَبَوَاهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْوِيغِ قَوْلِ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَوَّغَ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ نَفْسَهُ أَعَزُّ مِنْ أَنْفُسِ الْقَائِلِينَ وَآبَائِهِمْ وَلَوْ كَانُوا أَسْلَمُوا فَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ من كَلَام بن أَبِي عَاصِمٍ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الأَصْل عدم الخصوصية وَأخرج بن أبي عَاصِم من حَدِيث بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لفاطمة فدَاك أَبوك وَمن حَدِيث

الصفحة 569