كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

لَا نَدَعُكَ تُسَمِّيهِ بِاسْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ بِابْنِهِ حَامِلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَدْ بَيَّنَ شُعْبَةُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ حَمَلْتُهُ عَلَى عُنُقِي أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنْ مُسْنَدِ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ عَنْهُ وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ جَابِرٍ وَفِيهِ أَوْرَدَهُ أَصْحَابُ الْمَسَانِيدِ وَالْأَطْرَافِ وَقَدَّمْتُ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ قَالَ أَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْقَاسِمَ أَرْجَحُ وَذَكَرْتُ وَجْهَ رُجْحَانِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ فِي ذَلِكَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ قَوْلُهُ لَا نُكَنِّيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلَا كَرَامَةَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَا نُنَعِّمُكَ عَيْنًا هُوَ مِنَ الْإِنْعَامِ أَيْ لَا نُنَعِّمُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ فَتَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ تَكْنِيَةِ الْمَرْءِ بِمَنْ يُولَدُ لَهُ وَلَا يَخْتَصُّ بِأَوَّلِ أَوْلَادِهِ قَوْلُهُ فَأُخْبِرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَلِبَعْضِهِمْ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ بِلَفْظِ فَأَتَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ فَقَالَ سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فِي مُطَابَقَةِ التَّرْجَمَةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ عُسْرٌ وَأَقْرَبُ مَا قِيلَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ التَّكَنِّي بِكُنْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَضَى مَشْرُوعِيَّةُ الْكُنْيَةِ وَأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ أَنْ يُسَمِّيَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ اخْتَارَ لَهُ اسْمًا يَطِيبُ خَاطِرُهُ بِهِ إِذْ غَيَّرَ الِاسْمَ فَاقْتَضَى الْحَالُ أَنَّهُ لَا يُشِيرُ عَلَيْهِ إِلَّا بِاسْمٍ حَسَنٍ وَتَوْجِيهُ كَوْنِهِ أَحْسَنُ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَشَارِقِ لِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَفِيهَا أُصُولٌ وَفُرُوعٌ أَيْ مِنْ حَيْثُ الِاشْتِقَاقِ قَالَ وَلِلْأُصُولِ أُصُولٌ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَأُصُولُ الْأُصُولِ اسْمَانِ اللَّهُ وَالرَّحْمَنُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَسْمَاءِ كُلِّهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَو ادعوا الرَّحْمَن وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَسَمَّ بِهِمَا أَحَدٌ وَمَا وَرَدَ من رَحْمَن الْيَمَامَةِ غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّهُ مُضَافٌ وَقَوْلُ شَاعِرِهِمْ وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْتَ رَحْمَانَا تَغَالَى فِي الْكُفْرِ وَلَيْسَ بِوَارِدٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّهُ لَمْ يَتَسَمَّ بِهِ أَحَدٌ وَلَا يُرَدُّ إِطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَهُ وَصْفًا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّسْمِيَةَ بِذَلِكَ وَقَدْ لُقِّبَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْمَلِكَ الرَّحِيمَ وَلَمْ يَقَعْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الرَّحْمَنِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ كَانَتْ إِضَافَةُ الْعُبُودِيَّةِ إِلَى كل مِنْهُمَا حَقِيقِيَّة مَحْضَة فَظهر وَجه الأحبية وَالله أعلم

الصفحة 571