كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ بن عُمَرَ قَوْلُهُ رِيحُ شَرَابٍ وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ وَصَلَهُ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ إِنِّي وَجَدْتُ مِنْ فُلَانٍ رِيحَ شَرَابٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ شَرَابُ الطِّلَاءِ وَإِنِّي سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ تَامًّا وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَفِي السِّيَاقِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَسَأَلَ عَنْهُ فَوَجَدَهُ يُسْكِرُ فَجَلَدَهُ وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بن مَنْصُور عَن بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعَ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ قَامَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ ذُكِرَ لِي أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَصْحَابَهُ شَرِبُوا شَرَابًا وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ يسكر حددتهم قَالَ بن عُيَيْنَةَ فَأَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ قَالَ فَرَأَيْتُ عُمَرَ يَجْلِدُهُمْ وَهَذَا الْأَثَرُ يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْتُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا أَحَلَّهُ عُمَرُ مِنَ الْمَطْبُوخِ الَّذِي يُسَمَّى الطِّلَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ بَلَغَ حَدَّ الْإِسْكَارِ فَإِنْ بَلَغَهُ لَمْ يَحِلَّ عِنْدَهُ وَلِذَلِكَ جَلَدَهُمْ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ هَلْ شَرِبُوا مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنِ احْتَجَّ بِعُمَرَ فِي جَوَازِ شُرْبِ الْمَطْبُوخِ إِذَا ذَهَبَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ وَلَوِ أَسْكَرَ فَإِنَّ عُمَرَ أَذِنَ فِي شُرْبِهِ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَثَرَيْنِ عَنْهُ يَقْتَضِي التَّفْصِيلَ وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ فَاسْتَغْنَى عَنِ التَّفْصِيلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ ابْنَهُ فَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ شَرِبَ كَذَا فَسَأَلَ غَيْرَهُ عَنْهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُسْكِرُ أَوْ سَأَلَ ابْنَهُ فَاعْتَرَفَ أَنَّ الَّذِي شَرِبَ يُسْكِرُ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَعْمَرٍ فَقَالَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ شَهِدْتُ عُمَرَ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ إِنِّي وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رِيحَ شَرَابٍ وَإِنِّي سَأَلْتُهُ عَنْهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ الطِّلَاءُ وَإِنِّي سَائِلٌ عَنِ الشَّرَابِ الَّذِي شَرِبَ فَإِنْ كَانَ مُسْكِرًا جَلَدْتُهُ قَالَ فَشَهِدْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْلِدُهُ قُلْتُ وَهَذَا السِّيَاقُ يُوضح أَن رِوَايَة بن جريج الَّتِي أخرجهَا عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَنهُ عَن الزُّهْرِيّ مختصرة مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَلَفْظُهُ عَنِ السَّائِبِ أَنَّهُ حَضَرَ عُمَرُ يَجْلِدُ رَجُلًا وَجَدَ مِنْهُ رِيحَ شَرَابٍ فَجَلَدَهُ الْحَدَّ تَامًّا فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ جَلَدَهُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الرِّيحِ مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَكَذَلِكَ مَا أخرجه بن أبي شيبَة من طَرِيق بن أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَضْرِبُ فِي الرِّيحِ فَإِنَّهَا أَشَدُّ اخْتِصَارًا وَأَعْظَمُ لَبْسًا وَقَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَنْ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ يُجَوِّزُ إِقَامَةَ الْحَدِّ بِوُجُودِ الرِّيحِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ النَّسَائِيُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي نُقِلَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ كَسَرَ النَّبِيذَ بِالْمَاءِ لَمَّا شَرِبَ مِنْهُ فَقَطَّبَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِحُمُوضَتِهِ لَا لِاشْتِدَادِهِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ عَمَّمَ وُجُوبَ الْحَدِّ بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ مِنْهُ هَلْ شَرِبَ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ النَّبِيذَ الَّذِي قَطَّبَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ بَلَغَ حَدَّ الْإِسْكَارِ أَصْلًا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ إقَامَةِ الْحَدِّ بِالرَّائِحَةِ وَقَدْ مَضَى فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ النَّقْلُ عَن بن مَسْعُود أَنه عمل بِهِ وَنقل بن الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٍ مِثْلَهُ قَالَ مَالِكٌ إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ مِمَّنْ كَانَ يَشْرَبُ ثُمَّ تَابَا أَنَّهُ رِيحُ خَمْرٍ وَجَبَ الْحَدُّ وَخَالَفَ ذَلِكَ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا لَا يَجِبُ الْحَدُّ إِلَّا بِالْإِقْرَارِ أَوِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مُشَاهَدَةِ الشُّرْبِ لِأَنَّ الرَّوَائِحَ قَدْ تَتَّفِقُ وَالْحَدُّ لَا يُقَامُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَلَيْسَ فِي قِصَّةِ عُمَرَ التَّصْرِيحُ أَنَّهُ جَلَدَ بِالرَّائِحَةِ بَلْ ظَاهِرُ سِيَاقِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْلِدْهُمْ حَتَّى سَأَلَ وَفِي قَوْلِ عُمَرَ اللَّهُمَّ لَا أُحِلُّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمْتَهُ عَلَيْهِمْ رَدٌّ عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِإِجَازَتِهِ شُرْبَ الْمَطْبُوخِ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ الشُّرْبُ مِنْهُ وَلَوِ أَسْكَرَ شَارِبَهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إِذَا أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ فَإِنَّ بَقِيَّةَ أَثَرِ عُمَرَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَصَلَ بِخِلَافِ مَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ

[5598] قَوْلُهُ سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ بِالْجِيمِ مُصَغَّرًا اسْمُهُ حِطَّانُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ حَالِهِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو الْجَوْرِيَةِ قَوْلُهُ سَبَقَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَاذَقَ مَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ قَالَ الْمُهَلَّبُ أَيْ سَبَقَ مُحَمَّدٌ

الصفحة 65