كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

الْمَرَضِ وَإِلَّا فَلَا مَانِعَ حِينَئِذٍ مِنَ التَّرْكِيبِ وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ ثَبَتَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ لِمَا يَحْدُثُ عَنْهَا مِنَ السُّكْرِ وَجَوَازُ النَّبِيذِ الْحُلْوِ الَّذِي لَا يَحْدُثُ عَنْهُ سُكْرٌ وَثَبَتَ النَّهْيُ عَنِ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ ثُمَّ نُسِخَ وَعَنِ الْخَلِيطَيْنِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ بِالتَّحْرِيمِ وَلَوْ لَمْ يُسْكِرْ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ بِالْحِلِّ قَالَ وَاتَّفَقَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى الْكَرَاهَةِ لَكِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْمَنْعِ فَقِيلَ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَشُدُّ الْآخَرَ وَقِيلَ لِأَنَّ الْإِسْكَارَ يَسْرُعُ إِلَيْهِمَا قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْعَسَلَ بِاللَّبَنِ لَيْسَ بِخَلِيطَيْنِ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَا ينْبذ لَكِن قَالَ بن عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَجُوزُ خَلْطُ شَرَابَيْ سُكَّرٍ كَالْوَرْدِ وَالْجُلَّابِ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَلِيطَيْنِ لِأَجْلِ التَّخْلِيلِ ثُمَّ قَالَ وَيَتَحَصَّلُ لَنَا أَرْبَعُ صُوَرٍ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيطَانِ مَنْصُوصَيْنِ فَهُوَ حَرَامٌ أَوْ مَنْصُوصٌ وَمَسْكُوتٌ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَوِ انْفَرَدَ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ قِيَاسًا عَلَى الْمَنْصُوصِ أَوْ مَسْكُوتٌ عَنْهُمَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَوِ انْفَرَدَ لَمْ يُسْكِرْ جَازَ قَالَ وَهُنَا مَرْتَبَةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ مَا لَوْ خَلَطَ شَيْئَيْنِ وَأَضَافَ إِلَيْهِمَا دَوَاءً يَمْنَعُ الْإِسْكَارَ فَيَجُوزُ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَيُكْرَهُ فِي الْمَنْصُوصِ وَمَا نَقَلَهُ عَنِ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وُجِدَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ بِمَا يُوَافِقُهُ فَقَالَ ثَبَتَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَلِيطَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ وَعَنْ مَالِكٍ قَالَ أَدْرَكْتُ عَلَى ذَلِكَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ ذَهَبَ إِلَى تَحْرِيمِ الْخَلِيطَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الشَّرَابُ مِنْهُمَا مُسْكِرًا جَمَاعَةٌ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالُوا مَنْ شَرِبَ الْخَلِيطَيْنِ أَثِمَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الشِّدَّةِ أَثِمَ مِنْ جِهَتَيْنِ وَخَصَّ اللَّيْثُ النَّهْيَ بِمَا إِذَا نُبِذَا مَعًا اه وَجرى بن حَزْمٍ عَلَى عَادَتِهِ فِي الْجُمُودِ فَخَصَّ النَّهْيَ عَنِ الْخَلِيطَيْنِ بِخَلْطٍ وَاحِدٍ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ وَهِيَ التَّمْرُ وَالرُّطَبُ وَالزَّهْوُ وَالْبُسْرُ وَالزَّبِيبُ فِي أَحَدِهَا أَوْ فِي غَيْرِهَا فَأَمَّا لَوْ خُلِطَ وَاحِدٌ مِنْ غَيْرِهَا فِي وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهَا لَمْ يَمْتَنِعْ كَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ مَثَلًا وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْأَشْرِبَةِ مِنْ طَرِيقِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ نَبِيذًا مِمَّا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ النَّهْيُ عَنِ الْخَلِيطَيْنِ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَعَنْ مَالِكٍ يُكْرَهُ فَقَطْ وَشَذَّ مَنْ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحِلُّ مُنْفَرِدًا فَلَا يُكْرَهُ مُجْتَمِعًا قَالَ وَهَذِهِ مُخَالَفَةٌ لِلنَّصِّ وَقِيَاسٌ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ فَهُوَ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ ثُمَّ هُوَ مُنْتَقَضٌ بِجَوَازِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْأُخْتَيْنِ مُنْفَرِدَةً وَتَحْرِيمُهُمَا مُجْتَمِعَتَيْنِ قَالَ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ مِنْهُمُ إِنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ السَّرَفِ قَالَ وَهَذَا تَبْدِيلٌ لَا تَأْوِيلَ وَيَشْهَدُ بِبُطْلَانِهِ الآحاديث الصَّحِيحَة قَالَ وَتَسْمِيَةُ الشَّرَابِ إِدَامًا قَوْلُ مَنْ ذَهَلَ عَنِ الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ وَالْعُرْفِ قَالَ وَالَّذِي يُفْهَمُ مِنَ الْأَحَادِيثِ التَّعْلِيلُ بِخَوْفِ إِسْرَاعِ الشِّدَّةِ بِالْخَلْطِ وَعَلَى هَذَا يُقْتَصَرُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْخَلْطِ عَلَى مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِسْرَاعُ قَالَ وَأَفْرَطَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَمَنَعَ الْخَلْطَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدِ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ خَلْطِ الْعَسَلِ وَاللَّبن والخل وَالْعَسَل قلت حَكَاهُ بن الْعَرَبِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالَ إِنَّهُ حَمَلَ النَّهْيَ عَنِ الخليطين من الْأَشْرِبَة على عُمُومه وَاسْتَغْرَبَهُ

الصفحة 69