كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

رَمَضَانَ إِذَا كُنْتَ مُسَافِرًا فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي رَمَضَانَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أخر وَلَيْسَ ذَلِك لعاشوراء قَالَ بن التِّينِ وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ الْمَيْتَةَ لِسَدِّ الرَّمَقِ وَالْبَوْلُ لَا يَدْفَعُ الْعَطَشَ فَإِنْ صَحَّ هَذَا صَحَّ مَا قَالَ الزُّهْرِيُّ إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ قُلْتُ وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْأَثَرِ الَّذِي بعده قَوْله وَقَالَ بن مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُم قَالَ بن التِّينِ اخْتُلِفَ فِي السَّكَرِ بِفَتْحَتَيْنِ فَقِيلَ هُوَ الْخَمْرُ وَقِيلَ مَا يَجُوزُ شُرْبُهُ كَنَقِيعِ التَّمْرِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ وَكَالْخَلِّ وَقِيلَ هُوَ نَبِيذُ التَّمْرِ إِذَا اشْتَدَّ قُلْتُ وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ النَّحْلِ عَنِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ السَّكَرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حسنا وَهُوَ مَا حُرِّمَ مِنْهَا وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ مَا أُحِلَّ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَزِينٍ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَمِنْ طَرِيقِ النَّخَعِيِّ نَحْوُهُ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِمَعْنَاهُ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ السَّكَرُ نَقِيعُ الزَّبِيبِ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ وَالْخَلُّ وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ وَانْتَصَرَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مِنْهُ دَعْوَى نَسْخٍ وَيَسْتَمِرُّ الِامْتِنَانُ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ النَّسْخَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ قُلْتُ وَهَذَا فِي الْآيَةِ مُحْتَمَلٌ لَكِنَّهُ فِي هَذَا الْأَثَرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْكِرِ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنِ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ قَالُوا السَّكَرُ خَمْرٌ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ السَّكَرَ بِلُغَةِ الْعَجَمِ الْخَمْرُ وَبِلُغَةِ الْعَرَبِ النَّقِيعُ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ السَّكَرُ خُمُورُ الْأَعَاجِمِ وَعَلَى هَذَا ينطبق قَول بن مَسْعُودٍ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُم وَنقل بن التِّين عَن الشَّيْخ أبي الْحسن يَعْنِي بن الْقَصَّارِ إِنْ كَانَ أَرَادَ مُسْكِرَ الْأَشْرِبَةِ فَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنَ الْكَلَامِ ذِكْرُ السُّؤَالِ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ السُّكْرَ بِالضَّمِّ وَسُكُونِ الْكَافِ قَالَ فَأَحْسَبُهُ هَذَا أَرَادَ لِأَنَّنِي أَظُنُّ أَنَّ عِنْدَ بَعْضِ الْمُفَسّرين سُئِلَ بن مَسْعُودٍ عَنْ التَّدَاوِي بِشَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ فَأَجَابَ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْبُخَارِيِّ قُلْتُ قَدْ رَوَيْتُ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ فِي فَوَائِدِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الطَّائِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ اشْتَكَى رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ خُثَيْمُ بْنُ الْعَدَّاءِ دَاءً بِبَطْنِهِ يُقَالُ لَهُ الصُّفْرُ فَنُعِتَ لَهُ السَّكَرُ فَأرْسل إِلَى بن مَسْعُود يسْأَله فَذكره وَأخرجه بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِلٍ نَحْوَهُ وَرُوِّينَا فِي نُسْخَةِ دَاوُدَ بْنِ نَصِيرٍ الطَّائِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَ عبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ لَا تَسْقُوا أَوْلَادَكُمُ الْخَمْرَ فَإِنَّهُمْ وُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَأخرجه بن أبي شيبَة من وَجه آخر عَن بن مَسْعُودٍ كَذَلِكَ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا فِي تَفْسِيرِ السَّكَرِ وَأَخْرَجَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ فِي مُجَدَّرِينَ أَوْ مُحَصَّبِينَ نُعِتَ لَهُم السكر فَذكر مثله ولجواب بن مَسْعُودٍ شَاهِدٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتِ اشْتَكَتْ بِنْتٌ لِي فَنَبَذْتُ لَهَا فِي كُوزٍ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَغْلِي فَقَالَ مَا هَذَا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ثُمَّ حكى بن التِّين عَن الدَّاودِيّ قَالَ قَول بن مَسْعُودٍ حَقٌّ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا ضَرُورَةً وَأَبَاحَ الْمَيْتَةَ وَأَخَوَاتِهَا فِي الضَّرُورَة قَالَ ففهم الدَّاودِيّ أَن بن مَسْعُودٍ تَكَلَّمَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْخَمْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى التَّدَاوِي بِهَا فَمَنَعَهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِدُ مَنْدُوحَةً عَنِ التَّدَاوِي بِهَا وَلَا يُقْطَعُ بِنَفْعِهِ بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ فِي سَدِّ الرَّمَقِ وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ جَوَازِ إِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ لِمَنْ شَرِقَ بِهَا بِالْجَرْعَةِ مِنَ الْخَمْرِ فَيَجُوزُ وَبَيْنَ التَّدَاوِي بِهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْإِسَاغَةَ تَتَحَقَّقُ بِهَا بِخِلَافِ الشِّفَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنِ الشَّافِعِي أَنه

الصفحة 79