كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

لَمْ يَقُلْ بِالتَّحْرِيمِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ فِي الْبَاب وَصحح التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بن عُمَرَ كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَمْشِي وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالْأَثْرَمُ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَعَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَأَبُو عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ فِي الْأَحْكَامِ وَعَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ نَحْوَهُ أَخْرَجَهُ بن شَاهِينَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ خباب عَن أَبِيه عَن جده أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ وَعَنْ كَبْشَةَ قَالَتْ دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَرِبَ مِنْ قِرْبَةٍ مُعَلَّقَةٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَعَنْ كَلْثَمَ نَحْوَهُ أَخْرَجَهُ أَبُو مُوسَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَثَبَتَ الشُّرْبُ قَائِمًا عَنْ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا كَانُوا يَشْرَبُونَ قِيَامًا وَكَانَ سَعْدٌ وَعَائِشَةُ لَا يَرَوْنَ بِذَلِكَ بَأْسًا وَثَبَتَتِ الرُّخْصَةُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَسَلَكَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ مَسَالِكَ أَحَدُهَا التَّرْجِيحُ وَأَنَّ أَحَادِيثَ الْجَوَازِ أَثْبَتُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ الْأَثْرَمِ فَقَالَ حَدِيثُ أَنَسٍ يَعْنِي فِي النَّهْيِ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَلَكِنْ قَدْ جَاءَ عَنْهُ خِلَافُهُ يَعْنِي فِي الْجَوَازِ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الطَّرِيقِ إِلَيْهِ فِي النَّهْيِ أَثْبَتَ مِنَ الطَّرِيقِ إِلَيْهِ فِي الْجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ الَّذِي يُقَابِلُهُ أَقْوَى لِأَنَّ الثَّبْتَ قَدْ يَرْوِي مَنْ هُوَ دُونَهُ الشَّيْءَ فَيُرَجَّحُ عَلَيْهِ فَقَدْ رُجِّحَ نَافِعٌ عَلَى سَالم فِي بعض الْأَحَادِيث عَن بن عُمَرَ وَسَالِمٍ مُقَدَّمٌ عَلَى نَافِعٍ فِي الثَّبْتِ وَقُدِّمَ شَرِيكٌ عَلَى الثَّوْرِيِّ فِي حَدِيثَيْنِ وَسُفْيَانُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي جُمْلَةِ أَحَادِيثَ ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ قَائِمًا قَالَ الْأَثْرَمُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ فِي النَّهْيِ لَيْسَتْ ثَابِتَةً وَإِلَّا لَمَا قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى وَهَاءِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ أَيْضًا اتِّفَاقُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ شَرِبَ قَائِمًا أَنْ يَسْتَقِيءَ الْمَسْلَكُ الثَّانِي دَعْوَى النَّسْخِ وَإِلَيْهَا جَنَحَ الْأَثْرَم وبن شَاهِينَ فَقَرَّرَا عَلَى أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا مَنْسُوخَةٌ بِأَحَادِيثِ الْجَوَازِ بِقَرِينَةِ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَمُعْظَمِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِالْجَوَازِ وَقَدْ عكس ذَلِك بن حَزْمٍ فَادَّعَى نَسْخَ أَحَادِيثِ الْجَوَازِ بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ الْجَوَازَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ مُقَرِّرَةٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَمَنِ ادَّعَى الْجَوَازَ بَعْدَ النَّهْيِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْجَوَازِ مُتَأَخِّرَةٌ لِمَا وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَاب من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَخِيرُ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ وَيَتَأَيَّدُ بِفِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ فَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الثَّقَفِيُّ فِي نَصْرِهِ الصِّحَاحَ وَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ هُنَا الْمَشْيُ يُقَالُ قَامَ فِي الْأَمْرِ إِذَا مَشَى فِيهِ وَقُمْتُ فِي حَاجَتِي إِذَا سَعَيْتُ فِيهَا وَقَضَيْتُهَا وَمِنْهُ قولُهُ تَعَالَى إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِما أَيْ مُوَاظِبًا بِالْمَشْيِ عَلَيْهِ وَجَنَحَ الطَّحَاوِيُّ إِلَى تَأْوِيلٍ آخَرَ وَهُوَ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَمَّ عِنْدَ شُرْبِهِ وَهَذَا إِنْ سَلِمَ لَهُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْأَحَادِيثِ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ فِي بَقِيَّتِهَا وَسَلَكَ آخَرُونَ فِي الْجَمْعِ حَمْلَ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَأَحَادِيثَ الْجَوَاز على بَيَانه وَهِي طَريقَة الْخطابِيّ وبن بَطَّالٍ فِي آخَرِينَ وَهَذَا أَحْسَنُ الْمَسَالِكِ وَأَسْلَمُهَا وَأَبْعَدُهَا مِنَ الِاعْتِرَاضِ وَقَدْ أَشَارَ الْأَثْرَمُ إِلَى ذَلِكَ أَخِيرًا فَقَالَ إِنْ ثَبَتَتِ الْكَرَاهَةُ حُمِلَتْ عَلَى الْإِرْشَادِ وَالتَّأْدِيبِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الطَّبَرِيُّ وَأَيَّدَهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا ثُمَّ حَرَّمَهُ أَوْ كَانَ حَرَامًا ثُمَّ جَوَّزَهُ لَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بَيَانًا وَاضِحًا فَلَمَّا تَعَارَضَتِ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ جَمَعْنَا بَيْنَهَا بِهَذَا وَقِيلَ إِنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ مَخَافَةَ وُقُوعِ ضَرَرٍ بِهِ فَإِنَّ الشُّرْبَ قَاعِدًا أَمْكَنُ وَأَبْعَدُ مِنَ الشَّرَقِ وَحُصُولِ الْوَجَعِ فِي الْكَبِدِ أَوِ الْحَلْقِ وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ لَا يَأْمَنُ مِنْهُ مَنْ شَرِبَ قَائِمًا وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ عَلَى الْعَالِمِ إِذَا رَأَى النَّاسَ اجْتَنَبُوا شَيْئًا وَهُوَ

الصفحة 84