كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

يَعْلَمُ جَوَازَهُ أَنْ يُوَضِّحَ لَهُمْ وَجْهَ الصَّوَابِ فِيهِ خَشْيَةَ أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ فَيُظَنُّ تَحْرِيمُهُ وَأَنَّهُ مَتَى خَشِيَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ لِلْإِعْلَامِ بِالْحُكْمِ وَلَوْ لَمْ يُسْأَلْ فَإِنْ سُئِلَ تَأَكَّدَ الْأَمْرُ بِهِ وَأَنَّهُ إِذَا كَرِهَ مِنْ أحد شَيْئا لَا يشهره بِاسْمِهِ لِغَيْرِ غَرَضٍ بَلْ يُكَنِّي عَنْهُ كَمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الثَّانِي

[5617] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ ذَكَرَ الْكَلَابَاذِيُّ أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ سَمِعَ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمِنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا رَوَى عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قُلْتُ لَيْسَ الِاحْتِمَالَانِ فِيهِمَا هُنَا عَلَى السَّوَاءِ فَإِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ مَشْهُورٌ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الثَّوْرِيِّ مَعْرُوفٌ بِمُلَازَمَتِهِ وَرِوَايَتُهُ عَن بن عُيَيْنَةَ قَلِيلَةٌ وَإِذَا أَطْلَقَ اسْمَ شَيْخِهِ حُمِلَ عَلَى مَنْ هُوَ أَشْهَرُ بِصُحْبَتِهِ وَرِوَايَتُهُ عَنْهُ أَكْثَرُ وَلِهَذَا جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ سُفْيَانَ هَذَا هُوَ الثَّوْرِيُّ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فِي مِثْلِ هَذَا وَلِلْخَطِيبِ فِيهِ تَصْنِيفٌ سَمَّاهُ الْمُكْمِلِ لِبَيَانِ الْمُهْمَلِ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ وَكَذَا هُوَ عِنْد مُسلم رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ لَكِنْ خُصُوصُ رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِيهِ إِنَّمَا هِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ شَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا مِنْ زَمْزَمَ فِي رِوَايَة بن مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَاصِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَيْ عَاصِمٌ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعِكْرِمَةَ فَحَلَفَ أَنَّهُ مَا كَانَ حِينَئِذٍ إِلَّا رَاكِبًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ ثُمَّ أَنَاخَهُ بَعْدَ طَوَافِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَلَعَلَّهُ حِينَئِذٍ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إِلَى بَعِيرِهِ وَيَخْرُجَ إِلَى الصَّفَا بَلْ هَذَا هُوَ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ لِأَنَّ عُمْدَةَ عِكْرِمَةَ فِي إِنْكَارِ كَوْنِهِ شَرِبَ قَائِمًا إِنَّمَا هُوَ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ وَخَرَجَ إِلَى الصَّفَّا عَلَى بَعِيرِهِ وَسَعَى كَذَلِكَ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَخَلُّلِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ بَيْنَ ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا عَلَى الْأَرْضِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ كَوْنِهِ شَرِبَ حِينَئِذٍ مِنْ سِقَايَةِ زَمْزَمَ قَائِمًا كَمَا حَفِظَهُ الشّعبِيّ عَن بن عَبَّاس

(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ شَرِبَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بعيره)
قَالَ بن الْعَرَبِيِّ لَا حُجَّةَ فِي هَذَا عَلَى الشُّرْبِ قَائِمًا لِأَنَّ الرَّاكِبَ عَلَى الْبَعِيرِ قَاعِدٌ غَيْرُ قَائِمٍ كَذَا قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ حُكْمَ هَذِهِ الْحَالَةِ وَهَلْ تَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ أَوْ لَا وَإِيرَادُهُ الْحَدِيثَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الصُّورَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَكَأَنَّهُ لَمَّحَ بِمَا قَالَ عِكْرِمَةُ أَنَّ مُرَادَ بن عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي جَاءَتْ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّهُ شَرِبَ قَائِمًا إِنَّمَا أَرَادَ وَهُوَ رَاكِبٌ وَالرَّاكِبُ يُشْبِهُ الْقَائِمَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ سَائِرًا وَيُشْبِهُ الْقَاعِدَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مُسْتَقِرًّا عَلَى الدَّابَّةِ

[5618] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هُوَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ الْكُوفِيُّ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِك زَاد مَالك الخ هُوَ بن أَنَسٍ وَالْمُرَادُ أَنَّ مَالِكًا تَابَعَ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ عَلَى رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ شَرِبَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَامَّةً فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مَعَ بَقِيَّةِ شرح الحَدِيث

الصفحة 85