كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

(قَوْلُهُ بَابُ الشُّرْبِ مِنْ قَدَحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
أَيْ تَبَرُّكًا بِهِ قَالَ بن الْمُنِيرِ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ دَفْعَ تَوَهُّمِ مَنْ يَقَعُ فِي خَيَالِهِ أَنَّ الشُّرْبَ فِي قَدَحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَبَيَّنَ أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُورَثُ وَمَا تَرَكَهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَلَا يُقَالُ إِنَّ الْأَغْنِيَاءَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَالصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ لِلْغَنِيِّ لِأَنَّ الْجَوَابَ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنَ الصَّدَقَةِ هُوَ الْمَفْرُوضُ مِنْهَا وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ قُلْتُ وَهَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ مُقْنِعٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ جِنْسِ الْأَوْقَافِ الْمُطْلَقَةِ يَنْتَفِعُ بِهَا مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَتُقَرُّ تَحْتَ يَدِ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَيْهَا وَلِهَذَا كَانَ عِنْدَ سَهْلٍ قَدَحٌ وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ آخَرُ وَالْجُبَّةُ عِنْدَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو بردة هُوَ بن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ قَوْلُهُ قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ هُوَ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ وَلَامُ سَلَامٍ مُخَفَّفَةٌ قَوْلُهُ أَلَا بِتَخْفِيفِ اللَّامِ لِلْعَرْضِ وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ سَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ مِنْ طَرِيقِ بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَتَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ الْجَوْنِيَّةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ ثُمَّ نُونٍ فِي قِصَّةِ اسْتِعَاذَتِهَا لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ قِصَّتِهَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ فَنَزَلَتْ فِي أُجُمٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ هُوَ بِنَاءٌ يُشْبِهُ الْقَصْرَ وَهُوَ مِنْ حُصُونِ الْمَدِينَةِ وَالْجَمْعُ آجَامٌ مِثْلُ أُطُمٍ وَآطَامٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْأُطُمُ وَالْأُجُمُ بِمَعْنًى وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ الْآجَامُ الْأَشْجَارُ وَالْحَوَائِطُ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْكِرْمَانِيِّ الْأُجُمُ بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ أَجَمَةٍ وَهِيَ الْغَيْضَةُ

[5637] قَوْلُهُ قَالَتْ أَنَا كُنْتُ أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ فِيهِ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ مُرَادُهَا إِثْبَاتُ الشَّقَاءِ لَهَا لِمَا فَاتَهَا مِنَ التَّزَوُّجِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْبَيْعَةُ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِالْخِلَافَةِ قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ اسْقِنَا يَا سَهْلُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اسْقِنَا لِسَهْلٍ أَيْ قَالَ لِسَهْلٍ اسْقِنَا وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فَقَالَ اسْقِنَا يَا أَبَا سَعْدٍ وَالَّذِي أَعْرِفُهُ فِي كُنْيَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَبُو الْعَبَّاسِ فَلَعَلَّ لَهُ كنيتين أَو كَانَ الأَصْل يَا بن سَعْدٍ فَتَحَرَّفَتْ قَوْلُهُ فَأَخْرَجْتُ لَهُمْ هَذَا الْقَدَحَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي فَخَرَجْتُ لَهُمْ بِهَذَا الْقَدَحِ قَوْلُهُ فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْلٌ قَائِلُ ذَلِكَ هُوَ أَبُو حَازِمٍ الرَّاوِي عَنْهُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَهَبَهُ لَهُ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَئِذٍ قَدْ وَلِيَ إمرة الْمَدِينَة وَلَيْسَت الْهِبَة هُنَا حَقِيقِيَّة بَلْ مِنْ جِهَةِ

الصفحة 99