كتاب تحفة الأحوذي (اسم الجزء: 10)

الْمُؤَدِّينَ لِلْفَرَائِضِ الْمُكْثِرِينَ مِنَ النَّوَافِلِ وَكَذَا مَا يَأْتِي فِيمَا قِيلَ (وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ) أَيِ الَّذِي الْغَالِبُ عَلَيْهِ الصِّيَامُ وَإِلَّا فَكُلُّ الْمُؤْمِنِينَ أَهْلٌ لِلْكُلِّ (دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَزْنُ فَعْلَانَ مِنَ الرَّيِّ اسْمٌ عَلَمٌ لِبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَخْتَصُّ بِدُخُولِ الصَّائِمِينَ مِنْهُ وَهُوَ مِمَّا وَقَعَتِ الْمُنَاسَبَةُ فِيهِ بَيْنَ لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الرِّيِّ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِحَالِ الصَّائِمِينَ
قَالَ الْحَافِظُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ يُدْعَى مِنْ بَابِ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ صَرِيحًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِكُلِّ عَامِلٍ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يدعى منه بذلك العمل أخرجه أحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ وَوَقَعَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةٌ وَبَقِيَ مِنَ الْأَرْكَانِ الْحَجُّ فَلَهُ بَابٌ بِلَا شَكٍّ وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُخْرَى فَمِنْهَا بَابُ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا إِنَّ لِلَّهِ بَابًا فِي الْجَنَّةِ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا مَنْ عَفَا عَنْ مَظْلَمَةٍ وَمِنْهَا الْبَابُ الْأَيْمَنُ وَهُوَ بَابُ الْمُتَوَكِّلِينَ الذي يدخله مِنْهُ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ وَلَا عَذَابَ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَعَلَّهُ بَابُ الذِّكْرِ فَإِنَّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مَا يَرْمِي إِلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَابَ الْعِلْمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَبْوَابِ التي يدعى منها أبواب مِنْ دَاخِلِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الْأَصْلِيَّةِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْ ثَمَانِيَةٍ انْتَهَى
وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيَانُ الدَّاعِي فَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ أَيْ قِيلَ هَلُمَّ الْحَدِيثَ (مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ)
كَلِمَةُ مَا لِلنَّفْيِ وَمِنْ زَائِدَةٌ وَهِيَ اسم ما أي ليس ضرورة واحتياج عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ إِنْ لَمْ يُدْعَ مِنْ سَائِرِهَا لحصول المقصود وهو دخول الجنة وهذا نوع تَمْهِيدُ قَاعِدَةِ السُّؤَالِ فِي قَوْلِهِ (فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا) أَيْ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِي بِأَنْ لَا ضَرُورَةَ وَلَا احْتِيَاجَ لِمَنْ يُدْعَى مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ إِلَى الدُّعَاءِ مِنْ سَائِرِ الْأَبْوَابِ إِذْ يَحْصُلُ مُرَادُهُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ (قَالَ نَعَمْ) أَيْ يَكُونُ جَمَاعَةٌ يُدْعَوْنَ مِنْ جَمِيعِ الْأَبْوَابِ تَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا لَهُمْ لِكَثْرَةِ صَلَاتِهِمْ وَجِهَادِهِمْ وَصِيَامِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ (وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الرَّجَاءُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ نَبِيِّهِ وَاقِعٌ مُحَقَّقٌ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَدْخُلُ الْحَدِيثُ فِي فضائل أبي بكر ووقع في حديث بن عباس عند بن حِبَّانَ فِي نَحْوِ هَذَا

الصفحة 110