كتاب عون المعبود وحاشية ابن القيم (اسم الجزء: 10)

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ) اللَّهُ تَعَالَى (مُطِرْنَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا) أَيْ بِسُقُوطِ نَجْمٍ وَطُلُوعِ نَظِيرِهِ عَلَى مَا سَبَقَ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ النَّوْءُ النَّجْمُ مَالَ للغروب وقال بن الأثير إنما سمي نوء لِأَنَّهُ سَقَطَ السَّاقِطُ مِنْهَا بِالْغَرْبِ نَاءَ الطَّالِعُ بِالشَّرْقِ يَنُوءُ نَوْءًا أَيْ نَهَضَ وَطَلَعَ وَقِيلَ أَرَادَ بِالنَّوْءِ الْغُرُوبَ وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَمْ نَسْمَعْ فِي النَّوْءِ أَنَّهُ السُّقُوطُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
وَإِنَّمَا غَلَّظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ الْأَنْوَاءِ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَنْسُبُ الْمَطْرَ إِلَيْهَا فَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الْمَطَرَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَرَادَ بِقَوْلِهِ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا أَيْ فِي وَقْتِ كَذَا وَهُوَ هَذَا النَّوْءُ الْفُلَانِيُّ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَيْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَجَرَى الْعَادَةَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَطْرُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي كُفْرِ مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا هُوَ كُفْرٌ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ سَالِبٌ لِأَصْلِ الْإِيمَانِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَنْ قَالَهُ معتقدا بأن الكوكب فاعل مدبر منشىء لِلْمَطَرِ كَزَعْمِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ وَهُوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْجَمَاهِيرِ وَثَانِيهَا أَنَّهُ مَنْ قَالَ مُعْتَقِدًا بِأَنَّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِفَضْلِهِ وَأَنَّ النَّوْءَ عَلَامَةٌ لَهُ وَمَظِنَّةٌ بِنَزُولِ الْغَيْثِ فَهَذَا لَا يَكْفُرُ كَأَنَّهُ قَالَ مُطِرْنَا فِي وَقْتِ كَذَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ كلمة موهمة مترددة بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ فَيُسَاءُ الظَّنُ بِصَاحِبِهَا وَلِأَنَّهَا شِعَارُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي كُفْرَانٌ لِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِاقْتِصَارِهِ عَلَى إِضَافَةِ الْغَيْثِ إِلَى الْكَوْكَبِ
وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرًا وَكَافِرًا وَفِي أُخْرَى مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ بِهَا كَافِرِينَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ

2 - (بَاب فِي الْخَطِّ وَزَجْرِ الطَّيْرِ)
[3907] (الْعِيَافَةُ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهِيَ زَجْرُ الطَّيْرِ وَالتَّفَاؤُلُ وَالِاعْتِبَارُ في ذلك بأسمائها كما يتفاؤل

الصفحة 286