كتاب عون المعبود وحاشية ابن القيم (اسم الجزء: 10)

قَالَ فِي السُّبُلِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا صَارَ مَعَهُ جَمِيعُ مَالِ الْمُكَاتَبَةِ فَقَدْ صَارَ لَهُ مَا لِلْأَحْرَارِ فَتَحْتَجِبُ مِنْهُ سَيِّدَتُهُ إِذَا كَانَ مَمْلُوكًا لِامْرَأَةٍ وإن لَمْ يَكُنْ قَدْ سَلَّمَ ذَلِكَ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ هَذَا خَاصٌّ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ احْتِجَابُهُنَّ عَنِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَلَّمَ مَالَ الْكِتَابَةِ إِذَا كَانَ وَاجِدًا لَهُ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ كما منع سودة من نظر بن زَمْعَةَ إِلَيْهَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ
قُلْتُ وَلَكَ أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ قِنٌّ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ دِرْهَمًا وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فِي مُكَاتَبٍ وَاجِدٍ لِجَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَلَّمَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا إِذَا كَاتَبَتْ إِحْدَاكُنَّ عَبْدَهَا فَلْيَرَهَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ كِتَابَتِهِ فَإِذَا قَضَاهَا فَلَا تُكَلِّمْهُ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ
فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ كَذَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرِوَايَةُ الثِّقَاتِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِخِلَافِهِ انْتَهَى فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تُقَاوِمُ حَدِيثَ الْكِتَابِ
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ دَلَّ بِمَفْهُومِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَمْلُوكِ الْمَرْأَةِ النَّظَرُ إِلَيْهَا مَا لَمْ يُكَاتِبْهَا وَيَجِدْ مَالَ الْكِتَابَةِ وَهُوَ الَّذِي دَلَّ لَهُ مَنْطُوقُ قوله تعالى أو ما ملكت أيمانهن وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا تَقَنَّعَتْ بِثَوْبٍ وَكَانَتْ إِذَا قَنَّعَتْ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا وَإِذَا غَطَّتْ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ كَالْأَجْنَبِيِّ قَالُوا يَدُلُّ لَهُ صِحَّةُ تَزْوِيجِهَا إِيَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَفْهُومٌ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا وَالْحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ أَوْلَى انتهى
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ لَمْ أَحْفَظْ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ سَمِعَهُ مِنْ نَبْهَانَ وَلَمْ أَرَ مَنْ رَضِيتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُثْبِتُ هَذَا الْحَدِيثَ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي نَبْهَانُ فَذَكَرَ سَمَاعَ الزُّهْرِيِّ مِنْ نَبْهَانَ إِلَّا أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا لَمْ يُخَرِّجَا حَدِيثَهُ فِي الصَّحِيحِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَهُمَا أَوْ لَمْ يخرج

الصفحة 310