كتاب عون المعبود وحاشية ابن القيم (اسم الجزء: 10)

يَكُنْ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ حَافِظٌ قَدْ زَادَ عَلَيْهِمَا شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَيْفَ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذلك جماعة من الحفاظ المتقين
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَمَّامٌ هُوَ الَّذِي انْفَرَدَ بِالتَّفْصِيلِ وَهُوَ الَّذِي خَالَفَ الْجَمِيعَ فِي الْقَدْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَى رَفْعِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَمَّامًا لَمْ يَضْبِطْهُ كَمَا يَنْبَغِي
وَالْعَجَبُ مِمَّنْ طَعَنَ فِي رَفْعِ الِاسْتِسْعَاءِ بِكَوْنِ هَمَّامٍ جَعَلَهَ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ وَلَمْ يَطْعَنْ فِيمَا يَدُلُّ عَلَى ترك الإستسعاء وهو قوله في حديث بن عُمَرَ الْآتِي وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ بِكَوْنِ أَيُّوبَ جَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ فَفَصَلَ قَوْلَ نَافِعٍ مِنَ الْحَدِيثِ وَمَيَّزَهُ كَمَا صَنَعَ هَمَّامٌ سَوَاءٌ فَلَمْ يَجْعَلُوهُ مُدْرَجًا كَمَا جَعَلُوا حَدِيثَ هَمَّامٍ مُدْرَجًا مَعَ كَوْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَافَقَ أَيُّوبَ فِي ذَلِكَ وَهَمَّامٌ لَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ
وَقَدْ جَزَمَ بِكَوْنِ حَدِيثِ نَافِعٍ مُدْرَجًا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ وَآخَرُونَ
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحَانِ مَرْفُوعَانِ وِفَاقًا لِعَمَلِ صاحبي الصحيح
وقال بن الْمَوَّاقِ وَالْإِنْصَافُ أَنْ لَا نُوهِمَ الْجَمَاعَةَ بِقَوْلِ وَاحِدٍ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ قَتَادَةَ يُفْتِي بِهِ فَلَيْسَ بَيْنَ تَحْدِيثِهِ بِهِ مَرَّةً وَفُتْيَاهُ بِهِ أُخْرَى مُنَافَاةٌ
قَالَ الْحَافِظُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ حديثي بن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ مَا جَزَمَ به الإسماعيلي
قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ حَسْبُكَ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ فَإِنَّهُ أَعْلَى دَرَجَاتِ الصَّحِيحِ
وَالَّذِينَ لَمْ يَقُولُوا بِالِاسْتِسْعَاءِ تَعَلَّلُوا فِي تَضْعِيفِهِ بِتَعْلِيلَاتٍ لَا يُمْكِنُهُمُ الْوَفَاءُ بِمِثْلِهَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَحْتَاجُونَ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ فِيهَا بِأَحَادِيثَ يَرِدُ عَلَيْهَا مِثْلُ تِلْكَ التَّعْلِيلَاتِ
وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ إِمَامَ الصَّنْعَةِ خَشِيَ مِنَ الطَّعْنِ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ فَأَشَارَ إِلَى ثُبُوتِهَا بِإِشَارَاتٍ خَفِيَّةٍ كَعَادَتِهِ وَأَرَادَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَأَنَّ سَعِيدًا تَفَرَّدَ بِهِ فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ أَوَّلًا مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ وَهُوَ مِنْ أثبت الناس فيه وسمع من قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ ثُمَّ اسْتَظْهَرَ لَهُ بِرِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ بِمُتَابَعَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِيَنْفِيَ عَنْهُ التَّفَرُّدَ ثُمَّ ذَكَرَ ثَلَاثَةً تَابَعُوهُمَا عَلَى ذِكْرِهَا وَهُوَ حَجَّاجُ بْنُ حَجَّاجٍ وَأَبَانُ وَمُوسَى بْنُ خَلَفٍ جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَاخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ وَكَأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنَّ شُعْبَةَ أَحْفَظُ النَّاسِ لِحَدِيثِ قَتَادَةَ فَكَيْفَ لَمْ يَذْكُرِ الِاسْتِسْعَاءَ فَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ضَعْفًا لِأَنَّهُ أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَغَيْرُهُ سَاقَهُ بِتَمَامِهِ وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنَ الْوَاحِدِ
قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُ الِاسْتِسْعَاءِ فِي غَيْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ من

الصفحة 330