كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (اسم الجزء: 10)
وَلَكِنِّي رَأَيْتُهُ سَكْرَانُ يَقِيءُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ تَنَطَّعْتَ فِي الشَّهَادَةِ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى قُدَامَةَ أَنْ يَقْدِمَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَدِمَ فَقَامَ الجاردو فَقَالَ: أَقِمْ عَلَى هَذَا كِتَابَ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَخَصْمٌ أَنْتَ أَمْ شَهِيدٌ؟ قَالَ: بَلْ شَهِيدٌ. قَالَ:
أَدَّيْتَ شَهَادَتَكَ، فَصَمَتَ عَنْهُ الْجَارُودُ حَتَّى غَدَا عَلَيْهِ فَقَالَ: أَقِمْ عَلَى هَذَا حَدَّ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَاكَ إِلا خَصْمًا وَمَا شَهِدَ مَعَكَ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ، قَالَ الْجَارُودُ: إِنِّي أَنْشُدُكَ اللَّهَ، فَقَالَ عُمَرُ: لتمسكن لسانك أو لأسوءنّك، قَالَ الْجَارُودُ: وَاللَّهِ مَا ذَاكَ بِالْحَقِّ أَنْ يَشْرَبَ ابْنُ عَمِّكَ وَتَسُوءُنِي؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنْ كُنْتَ تَشُكُّ فِي شَهَادَتِنَا فَأَرْسِلْ إِلَى ابْنَةِ الْوَليِدِ فَسَلْهَا، وَهِيَ امْرَأَةُ قُدَامَةَ، فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى هِنْدِ بِنْتِ الْوَليِدِ يَنْشُدُهَا اللَّهَ، فَأَقَامَتِ الشَّهَادَةَ عَلَى زَوْجِهَا، فَقَالَ عُمَرُ لِقُدَامَةَ: إِنِّي حَادُّكَ، فَقَالَ: لَوْ شَرِبْتُ كَمَا يَقُولُونَ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تَحُدُّونِي. قَالَ عُمَرُ: وَلِمَ؟ قَالَ قُدَامَةُ: لِقَوْلِ اللَّهِ: (لَيْسَ عَلَى الذين آمنوا جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا) الآيَةَ. فَقَالَ عُمَرُ:
أَخْطَأْتَ التَّأْوِيلَ، أَمَا لَوِ اتَّقَيْتَ اللَّهَ اجْتَنَبْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ قُدَامَةَ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: لا نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ مَا كَانَ وَجِعًا. فَقَالَ عُمَرُ. لأَنْ يَلْقَى اللَّهَ تَحْتَ السِّيَاطِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَاهُ وَإِثْمُهُ فِي عُنُقِي، ائْتُونِي بِسَوْطٍ تَامٍّ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِقُدَامَةَ فَجُلِدَ فَغَاضَبَ عُمَرُ قُدَامَةَ، وَهَجَّرَهُ فَحَجَّ قُدَامَةُ مَعَهُ وَهُوَ مُغَاضِبٌ لَهُ، فَلَمَّا قَفَلا مِنْ حَجِّهِمَا- وَقَالَ بَكْرٌ فِي حَدِيثِهِ انْصَرَفَا مِنْ حَجِّهِمَا- وَتَرَكَ عُمَرُ بِالسُّقْيَا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ مِنْ نَوْمِهِ فقال: عجلوا عليّ بقدامة فو الله لَقَدْ رَأَيْتُ آتِيًا أَتَانِي فِي النَّوْمِ، فَقَالَ: سالم قدامة فإنه أخوك، فعجلوا عليّ به فَلَمَّا أَتَوْهُ أَبَى أَنْ يَأْتِيَ عُمَرَ، فَأَمَرَ عُمَرُ أَنْ يُجَرَّ إِلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَكَلَّمَهُ عُمَرُ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلُ صُلْحِهِمَا.
الصفحة 261