كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (اسم الجزء: 10)

قَالا: ثنا سُفْيَانُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ:
كَانَ إِسْلامُ عُمَرَ فَتْحًا، وَكَانَتْ هِجْرَتُهُ نَصْرًا، وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ رَحْمَةً، لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُصَلِّيَ وَنَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَاتَلْنَاهُمْ حَتَّى تَرَكُونَا نُصَلِّي.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ حَفْصٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَمَّا أَسْلَمْتُ قُلْتُ: أَيُّ قُرَيْشٍ أَنْقَلُ لِلْحَدِيثِ؟
فَقِيلَ: جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا جَمِيلُ هَلْ عَلِمْتَ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَبَايَعْتُ مُحَمَّدًا؟ فَمَا رَاجَعَنِي جَمِيلٌ حَتَّى قَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَقَامَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ، وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ: أَلا إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ، قَالَ عُمَرُ: فَقُلْتُ: كَذَبَ وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ، وَدَخَلْتُ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَثَارُوا إِلَيْهِ فَمَا زَالَ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ حَتَّى قَامَتِ الشَّمْسُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ وَطَلَحَ [1] ، فَقَعَدَ وَقَامُوا عَلَى رَأْسِهِ وَنَالُوا مِنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: اصنعوا ما شئتم فأقسم لو كنا ثلاثمائة لتركناها لكم أو تركتموها لنا، فبيناهم عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَقْبَلَ شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ حَبْرَةٌ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: صَبَأَ عُمَرُ، قَالَ: فَمَهْ؟ رَجُلٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا فَمَا تُرِيدُونَ مِنْهُ؟ أترون بني عدي يسلمونه؟ فو الله لَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا كَشَفَ عَنْهُ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقُلْتُ لأَبِي بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ إِلَى المدينة: يا أبه من الرجل
__________
[1] أي أصيب بالإعياء.

الصفحة 291