كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (اسم الجزء: 10)

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ سَعِيدٌ الْجَرِيرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ الْحَارِثِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَفَدَ الرَّبِيعُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَعْجَبَتْهُ هَيْئَتُهُ وَنَحْوَهُ، فَشَكَا عُمَرُ طَعَامًا غَلِيظًا أَكَلَهُ، فَقَالَ الرَّبِيعُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِطَعَامٍ لَيِّنٍ، وَمَرْكَبٍ وَطِيءٍ، وَمَلْبَسٍ لَيِّنٍ لأَنْتَ، فَرَفَعَ عُمَرُ جَرِيدَةً كَانَتْ مَعَهُ فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَهُ، وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِهَذَا إِلا مُقَارَبَتِي، هَلْ تَدْرِي مَا مَثَلِي وَمَثَلُ هَؤُلاءِ؟
مَثَلِي وَمَثَلُهُمْ مثل قَوْمٌ سَافَرُوا فَدَفَعُوا نَفَقَاتِهِمْ إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَقَالُوا: أَنْفِقْ عَلَيْنَا فَهَلْ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْثِرَ مِنْهَا بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَمْ أَسْتَعْمِلْ عَلَيْكُمْ عُمَّالِي لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ وَيَشْتُمُوا أَعْرَاضَكُمْ، وَيَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ، وَلَكِنِّي اسْتَعْمَلْتُهُمْ لِيُعَلِّمُوكُمْ كِتَابَ رَبِّكُمْ، وَسُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، فَمَنْ ظَلَمَهُ عَامِلُهُ بِمَظْلَمَةٍ فَلْيَرْفَعْهَا إِلَيَّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَدَّبَ أَمِيرٌ رَجُلا مِنْ رَعِيَّتِهِ، أَتَقُصُّهُ مِنْهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: وَمَا لِي لا أَقُصُّهُ مِنْهُ إِذَا تَعَدَّى، وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ مِنْ نَفْسِهِ.
وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ أَلا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلا تَحْرِمُوهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ، وَلا تُجَمِّرُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلا تُنْزِلُوهُمُ الْغِيَاضَ فَتُضَيِّعُوهُمْ.
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالا: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بن همام، ثنا معمر عن قَتَادَةَ قَالَ: حَضَرَ طَعَامَ عُمَرَ قَوْمٌ وَفَدُوا إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَرَآهُمْ يَكْرَهُونَهُ، فَقَالَ لهم: كلوا فو الله لَوْ شِئْتُ لَكُنْتُ أَطْيَبَكُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا، أَتَرَوْنِي أَغْبَى عَنْ طَيِّبِ الطَّعَامِ وَصِغَارِ الْمَعْزِ بِلُبَابِ الْبُرِّ، وَلَكِنِّي وَجَدْتُ اللَّهَ ذَمَّ قَوْمًا فَقَالَ: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعم بها.

الصفحة 319