كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (اسم الجزء: 10)
الْعَرَبَ، وَأَوَّلُ مَنِ اسْتَقْضَى الْقُضَاةَ فِي الأَمْصَارِ، وَأَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ، وَكَتَبَ النَّاسَ عَلَى قَبَائِلِهِمْ، وَفَرَضَ الأَعْطِيَةَ مِنَ الْفَيْءِ، وَأَوَّلُ مَنْ حَمَلَ الطَّعَامَ فِي السُّفُنِ مِنْ مِصْرَ فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَرَدَ الْجَارَ، ثُمَّ حَمَلَ مِنَ الْجَارِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ عَامِلا كَتَبَ لَهُ مَالَهُ ثُمَّ قَاسَمَهُ الْفَضْلَ عَلَيْهِ، فَقَاسَمَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَمُعَاذٌ، وَكَانَ يَسْتَعْمِلُ رِجَالا مِمَّنْ صَحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمُعَاوِيَةَ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَيَدَعُ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ مِثْلَ: عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَغَيْرِهِمْ، لِقُوَّةِ أُولَئِكَ عَلَى الْعَمَلِ وَبَصَرِهِمْ بِهِ، وَلإِشْرَافِ عُمَرَ عَلَيْهِمْ وَهَيْبَتِهِمْ لَهُ. وَقِيلَ لَهُ:
مَالَكَ لا تُوَلِّي الأَكَابِرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أُدَنِّسَهُمْ بِالأَعْمَالِ.
وَاتَّخَذَ عُمَرُ دَارًا لِلرِّزْقِ فِيهَا الدَّقِيقُ، وَكَانَ يَجْعَلُ فِيهَا السَّوِيقَ، وَالتَّمْرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالزَّيْتَ، وَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَيُعَيِّنُ بِذَلِكَ الْمُنْقَطِعَ بِهِ، وَيُقْرِي الضَّيْفَ، وَوَضَعَ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ مَا يَصْلُحُ لِلنَّاسِ مِمَّنْ يَنْقَطِعُ بِهِ، وَوَسَّعَ مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَثُرَ النَّاسُ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَخْرَجَ الْيَهُودَ مِنَ الْحِجَازِ، وَأَخْرَجَ أَهْلَ نَجْرَانَ إِلَى النَّجْرَانِيَّةِ بِالْكُوفَةِ، وَخَرَجَ إِلَى الْجَابِيَةِ بِالشَّامِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَأَقَامَ بِهَا عِشْرِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصَّلاةَ، وَحَضَرَ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقَسَمَ الْغَنَائِمَ بِالْجَابِيَةِ، وَخَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ الشَّامَ فِي جُمَادَى الأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ فَلَمَّا بلغ سرع [1] أخبر بوقوع
__________
[1] سرع: قرية بالشام هي أوله وآخر الحجاز في وادي تبوك، بينها وبين المدينة المنورة ثلاث عشرة مرحلة: معجم البلدان.
الصفحة 323