كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (اسم الجزء: 10)

قَالَ أَسْلَمُ: وَجَاءَ الزُّبَيْرُ وَأَنَا عَلَى الْبَابِ فَسَأَلَنِي أَنْ يَدْخُلَ فَقُلْتُ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَشْغُولٌ، قِفْ سَاعَةً. قَالَ: فَدَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَنِي خَلْفَ أُذُنِي ضَرْبَةً صَيَّحَتْنِي، فَدَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ أَرَى، قَالَ: وَأَدْخَلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضَرَبْتَ هَذَا الْغُلامَ؟ فَقَالَ الزُّبَيْر: زَعَمَ أَنَهُ يَمْنَعُنَا مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْكَ، فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ رَدَّكَ عَنْ بَابِي قَطُّ؟ قَالَ: لا، فَقَالَ عُمَرُ: أَفَقَالَ لَكَ اصْبِرْ سَاعَةً فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَشْغُولٌ فَلَمْ تَعْذِرْنِي، إِنَّهُ وَاللَّهِ إِنَّمَا يَدْمَى السَّبُعُ لِلسِّبَاعِ فَتَأْكُلُهُ [1] .
حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ قَدَّمَ فَضْلَ الْمَالِ وَأَمْسَكَ فَضْلَ الْكَلامِ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْوَقَّاصِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لا شَيْءَ أَنْفَعُ فِي دُنْيَا وَأَبْلَغُ فِي أَمْرِ دين من كلام.
[خطبة لعمر عقب توليته]
الْمَدَائِنِيُّ فِي إِسْنَادِهِ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ وَلِيَ فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ ثُمَّ قَالَ: «إِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ، وَلَوْلا رَجَائِي أَنْ أَكُونَ خَيْرَكُمْ لَكُمْ، وَأَقْوَاكُمْ عَلَيْكُمْ، وَأَشَدَّكُمُ اضْطِلاعًا بِمَا يَنُوبُ مِنْ مُهِمِّ أَمْرِكُمْ، مَا تَوَلَّيْتُ ذَلِكَ مِنْكُمْ، وَلَكَفَى عُمَرَ مُهِمًّا مُحْزِنًا انْتِظَارُ الْحِسَابِ عَلَى مَا يَصْنَعُ بِكُمْ وَيَسِيرُ بِهِ فِيكُمْ، وَلَمْ يُصْبِحْ عُمَرُ يَنُوءُ بِقُوَّةٍ وَلا حِيلَةٍ إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَعَوْنِهِ وَتَأْيِيدِهِ، وَإِنِّي مُعْطِي الْحَقِّ مِنْ نَفْسِي، وَإِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ أَوْ مَظْلَمَةٌ أو عتب عليّ في خلق فليؤذنّي،
__________
[1] المعروف أن الذئب إذا رأى دما على ذئب أقدم عليه ليأكله، وأراد هنا: إن رفقي بكم جرأكم علي.

الصفحة 363