كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (اسم الجزء: 10)

وَغَرَفُوا لَهُ طَيِّبَهَا فَأُتِيَ بِهِ، فَإِذَا فِدْرٌ [1] مِنْ سِنَامٍ، وَكِبْدٌ فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ بِئْسَ الوالي أنا إن أكلت طيّبها وأطعمت الناس كَرَادِيسَهَا، ارْفَعْ هَذِهِ وَهَاتِ لَنَا غَيْرَ هَذَا الطَّعَامِ، قَالَ فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَجَعَلَ يَكْسِرُ بِيَدِهِ، وَيَثْرِدُ ذَلِكَ الْخُبْزَ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ يَا يَرْفَأُ، احْمِلْ هَذِهِ الْجَفْنَةِ حَتَّى تَأْتِيَ بِهَا أَهْلَ بَيْتٍ ذَكَرَهُمْ لَهُ بِثَمْغٍ [2] فَإِنِّي لَمْ آتِهِمْ مُذْ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَحْسَبُهُمْ مُقْفِرِينَ فضعها بين أيديهم.
وروى الْوَاقِدِيّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أحدث عمر فِي زمان الرَّمَادَة أمرا مَا كَانَ يفعله قبل، كَانَ يصلي بِالنَّاسِ العشاء، ثُمَّ يدخل إِلَى بيته فلا يزال يصلي إِلَى آخر الليل، ثُمَّ يخرج فيأتي الأنقاب [3] فيطوف عَلَيْهَا، وإني لأسمعه ليلة فِي السحر وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ لا تجعل هلاك أمة مُحَمَّد عَلَى يدي، وفي ولايتي.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ: رَكِبَ عُمَرُ عَامَ الرَّمَادَةِ دَابَّةً فَرَاثَتْ شَعِيرًا، فَقَالَ عُمَرُ: الْمُسْلِمُونَ يَمُوتُونَ هَزْلا، وَهَذِهِ الدَّابَّةُ تَعْتَلِفُ الشَّعِيرَ، وَاللَّهِ لا أَرْكَبُهَا حَتَّى يَحْيَا النَّاسُ.
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْن زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ عَامَ الرَّمَادَةِ بِخُبْزٍ مَفْتُوتٍ بِسَمْنٍ، فَدَعَا رَجُلا بَدَوِيًّا فَأَكَلَ مَعَهُ، فَجَعَلَ الْبَدَوِيُّ يَتَتَبَّعُ الْوَدَكَ فِي جَانِبِ الْقَصْعَةِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كَأَنَّكَ مُقْفِرٌ من الودك؟ فقال: أجل، ما أكلت
__________
[1] فدر: قطع.
[2] ثمغ: موضع بخيبر، وكان مالا لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه. المغانم المطابة.
[3] أنقاب المدينة: الطرق المؤدية إليها. اللسان.

الصفحة 384