كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 10)

وقال الطيبي: هي متعلقة بقوله تعالى: أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً [القصص: 61] والحديث عن الشركاء مستطرد لذكر الإحضار، وتعقبه في الكشف بأن الظاهر أنه ليس متعلقا به بل لما ذكر سبحانه حال من حق عليه القول من التابع والمتبوع قال تعالى شأنه حثا لهم على الإقلاع: فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ فكأنه قيل: ما ذكر لمصيرهم فأما من تاب فكلا.
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ خلقه من الأعيان والأعراض وَيَخْتارُ عطف على يخلق، والمعنى على ما قيل يخلق ما يشاؤه باختياره فلا يخلق شيئا بلا اختيار، وهذا مما لم يفهم مما يشاء فليس في الآية شائبة تكرار، وقيل في دفع ما يتوهم من ذلك غير ما ذكر مما نقله ورده الخفاجي ولم يتعرض للقدح في هذا الوجه، وأراه لا يخلو عن بعد ولي وجه في الآية سأذكره بعد إن شاء الله تعالى ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ أي التخير كالطيرة بمعنى التطير وهما والاختيار بمعنى، وظاهر الآية نفي الاختيار عن العبد رأسا كما يقوله الجبرية، ومن أثبت للعبد اختيارا قال: إنه لكونه بالدواعي التي لو لم يخلقها الله تعالى فيه لم يكن كان في حيز العدم، وهذا مذهب الأشعري على ما حققه العلامة الدواني قال: الذي أثبته الأشعري هو تعلق قدرة العبد وإرادته الذي هو سبب عادي لخلق الله تعالى الفعل فيه، وإذا فتشنا عن مبادئ الفعل وجدنا الإرادة منبعثة عن شوق له وتصور أنه ملائم وغير ذلك من أمور ليس شيء منها بقدرة العبد واختياره، وحقق العلامة الكوراني في بعض رسائله المؤلفة في هذه المسألة أن مذهب السلف أن للعبد قدرة مؤثرة بإذن الله تعالى وأن له اختيارا لكنه مجبور باختياره وادعى أن ذلك هو مذهب الأشعري دون ما شاع من أن له قدرة غير مؤثرة أصلا بل هي كاليد الشلاء ونفي الاختيار عنه على هذا نحوه على ما مر فإنه حيث كان مجبورا به كان وجوده كالعدم، وقيل: إن الآية أفادت نفي ملكهم للاختيار ويصدق على المجبور باختياره بأنه غير مالك للاختيار إذ لا يتصرف فيه كما يشاء تصرف المالك في ملكه، وقيل: المراد لا يليق ولا ينبغي لهم أن يختاروا عليه تعالى أي لا ينبغي لهم التحكم عليه سبحانه بأن يقولوا لم لم يفعل الله تعالى كذا.
ويؤيده أن الآية نزلت حين قال الوليد بن المغيرة لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أو حين قال اليهود لو كان الرسول إلى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم غير جبريل عليه السلام لآمنا به على ما قيل، والجملة على هذا الوجه مؤكدة لما قبلها أو مفسرة له إذ معنى ذلك يخلق ما يشاء ويختار ما يشاء أن يختاره لا ما يختاره العباد عليه ولذا خلت عن العاطف وهي على ما تقدم مستأنفة في جواب سؤال تقديره فما حال العباد أو هل لهم اختيار أو نحوه؟ فقيل: إنهم ليس لهم اختيار، وضعف هذا الوجه بأنه لا دلالة على هذا المعنى في النظم الجليل وفيه حذف المتعلق وهو على الله تعالى من غير قرينة دالة عليه، وكون سبب النزول ما ذكر ممنوع، والقول الثاني فيه يستدعي بظاهره أن يكون ضمير لهم لليهود وفيه من البعد ما فيه، وقيل: ما موصولة مفعول يختار والعائد محذوف، والوقف على يشاء لا نافية، والوقف على يختار كما نص عليه الزجاج وعلي بن سليمان والنحاس كما في الوجهين السابقين أي ويختار الذي كان لهم فيه الخير والصلاح، واختياره تعالى ذلك بطريق التفضل والكرم عندنا وبطريق الوجوب عند المعتزلة، وإلى موصولية ما وكونها مفعول يختار ذهب الطبري إلا أنه قال في بيان المعنى عليه: أي ويختار من الرسل والشرائع ما كان خيرة للناس، وأنكر أن تكون نافية لئلا يكون المعنى أنه لم تكن لهم الخيرة فيما مضى وهي لهم فيما يستقبل، وادعى أبو حيان أنه روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما معنى ما ذهب إليه، واعترض بأن اللغة لا تساعده لأن المعروف فيها أن الخيرة بمعنى الاختيار لا بمعنى الخير وبأنه لا يناسب ما بعده من قوله تعالى: سُبْحانَ اللَّهِ إلخ، وكذا لا يناسب ما قبله من قوله سبحانه: يَخْلُقُ ما يَشاءُ، وضعفه بعضهم بأن

الصفحة 310