كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 10)

الوجه، وأجيب بأنه يجوز أن يكون المراد إن أراد الله تعالى ذلك غير معلق له على إرادته عز شأنه خلافه لا يأتيكم بخلافه غيره عز وجل ولم يصرح بالقيد لدلالة العقل الصريح على أن الإرادة غير المعلقة لا يمكن الإتيان بخلاف موجبها أصلا، ومن الناس من ذهب إلى أنه سبحانه لا يبت إرادته فجميع ما يريده جل شأنه معلق، وقيل: الأولى أن يقال: ليس المراد سوى أن آلهتهم لا يقدرون على الإتيان بنهار بعد ليل وليل بعد نهار إذا أراد الله تعالى شأنه استمرار أحدهما، وإنما القادر على الإتيان بذلك هو الله سبحانه وحده من غير نظر إلى كون ذلك الإتيان مقيدا بتلك الإرادة فتدبر وَمِنْ رَحْمَتِهِ أي بسبب رحمته جل شأنه جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ أي في الليل وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي في النهار بالسعي بأنواع المكاسب ففي الآية ما يقال له اللف والنشر ويسمى أيضا التفسير كقول ابن حيوش:
ومقرطق يغني النديم بوجهه ... عن كأسه الملأى وعن إبريقه

فعل المدام ولونها ومذاقها ... في مقلتيه ووجنتيه وريقه
وضمير فضله لله تعالى وجوز أبو حيان كونه للنهار على الإسناد المجازي وهو خلاف الظاهر، وفيها إشارة إلى مدح السعي في طلب الرزق
وقد ورد «الكاسب حبيب الله»
وهو لا ينافي التوكل وأن ما يحصل للعبد بواسطته فضل من الله عز وجل وليس مما يجب عليه سبحانه وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي ولكي تشكروا نعمته تعالى فعل ما فعل أو لتعرفوا نعمته تعالى وتشكروه عليها وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ منصوب باذكر.
فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ تقريع إثر تقريع للإشعار بأنه لا شيء أجلب لغضب الله تعالى من الإشراك كما لا شيء أدخل في مرضاته من توحيده عز وجل، أو أن الأول لبيان فساد رأيهم كما يشير إليه قوله تعالى هناك: حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ [القصص: 63] ، وهذا لبيان أن إشراكهم لم يكن عن سند بل عن محض هوى كما يشير إليه قوله تعالى بعد هاتُوا بُرْهانَكُمْ أو الأول إحضار للشركاء بعدم الصلوح لقوله سبحانه بعده: ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ وهذا تحسير بأنهم لم يكونوا في شيء من اتخاذهم ألا ترى قوله تعالى: وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ وَنَزَعْنا عطف على يناديهم وصيغة الماضي للدلالة على التحقق أو حال من فاعله بإضمار قد أو بدونه والالتفات إلى نون العظمة لإبراز كمال العناية بشأن النزع وتهويله أي أخرجنا بسرعة مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ من الأمم شَهِيداً شاهدا يشهد عليهم بما كانوا عليه وهو نبي تلك الأمة كما روي عن مجاهد، وقتادة، ويؤيده قوله تعالى:
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء: 41] وهذا في موقف من مواقف يوم القيامة فلا يضر كون الشهيد في موقف آخر غير الأنبياء عليهم السلام وهم أمة محمد صلّى الله تعالى عليه وسلّم أو الملائكة عليهم السلام لقوله تعالى: وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ [الزمر: 69] فإنه دال في الظاهر على مغايرة الشهداء للأنبياء عليهم السلام.
وقيل: يجوز اتحاد الموقف والدلالة على المغايرة غير مسلمة ولو سلمت فشهادة الأنبياء عليهم السلام لا تنافي شهادة غيرهم معهم، وقوله تعالى: مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ وإفراد شهيد ظاهر فيما تقدم، ومن هنا قال في البحر قيل: أي عدولا وخيارا، والشهيد عليه اسم جنس فَقُلْنا لكل من تلك الأمم هاتُوا بُرْهانَكُمْ على صحة ما كنتم تدينون به فَعَلِمُوا يومئذ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ في الألوهية لا يشاركه سبحانه فيها أحد.
وَضَلَّ عَنْهُمْ أي وغاب عنهم غيبة الشيء الضائع فضل مستعار لمعنى غاب استعارة تبعية.

الصفحة 315