كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)

سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الطَّحَّانَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخَزَّازُ: " §الْمُحِبُّ يَتَعَلَّلُ إِلَى مَحْبُوبِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَتَسَلَّى عَنْهُ بِشَيْءٍ وَيَتْبَعُ آثَارَهُ وَلَا يَدَعُ اسْتِخْبَارَهُ وَأَنْشَدَنَا:
[البحر الطويل]
أُسَائِلُكُمْ عَنْهَا فَهَلْ مِنْ مُخْبِرٍ ... فَمَا لِي بِنُعْمٍ مُذْ نَأَتْ دَارُهَا عِلْمُ
فَلَوْ كُنْتُ أَدْرِي أَيْنَ خَيَّمَ أَهْلُهَا؟ ... وَأَيَّ بِلَادٍ اللَّهِ إِذْ ظَعَنُوا أَمُّوا؟
إِذًا لَسَلَكْنَا مَسْلَكَ الرِّيحِ خَلْفَهَا ... وَلَوْ أَصْبَحَتْ نُعْمٌ وَمِنْ دُونِهَا النَّجْمُ
سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيَّ، يَقُولُ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْكَتَّانِيُّ، وَأَبُو الْحَسَنِ الرَّمْلِيُّ قَالَا: سَأَلْنَا أَبَا سَعِيدٍ الْخَزَّازَ فَقُلْنَا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَوَائِلِ الطَّرِيقِ إِلَى اللَّهِ فَقَالَ: " §التَّوْبَةُ وَذِكْرُ شَرَائِطِهَا ثُمَّ يُنْقَلُ مِنِ مَقَامِ التَّوْبَةِ إِلَى مَقَامِ الْخَوْفِ، وَمِنْ مَقَامِ الْخَوْفِ إِلَى مَقَامِ الرَّجَاءِ وَمِنْ مَقَامِ الرَّجَاءِ إِلَى مَقَامِ الصَّالِحِينَ، وَمِنْ مَقَامِ الصَّالِحِينَ إِلَى مَقَامِ الْمُرِيدِينَ وَمِنْ مَقَامِ الْمُرِيدِينَ إِلَى مَقَامِ الْمُطِيعِينَ وَمِنْ مَقَامِ الْمُطِيعِينَ إِلَى مَقَامِ الْمُحِبِّينَ وَمِنْ مَقَامِ الْمُحِبِّينَ إِلَى مَقَامِ المِشْتَاقِينَ، وَمِنْ مَقَامِ المُشْتَاقِينَ إِلَى مَقَامِ الْأَوْلَيَاءِ، وَمِنْ مَقَامِ الْأَوْلَيَاءِ إِلَى مَقَامِ الْمُقَرَّبِينَ، وَذَكَرُوا لِكُلِّ مَقَامٍ عَشْرَ شَرَائِطَ إِذَا عَانَاهَا وَأَحْكَمَهَا وَحَلَّتِ الْقُلُوبُ هَذِهِ الْمَحِلَّةَ أَدْمَنَتِ النَّظَرَ فِي النِّعْمَةِ وَفَكَّرَتْ فِي الْأَيَادِي وَالْإِحْسَانِ فَانْفَرَدَتِ النُّفُوسُ بِالذِّكْرِ وَجَالَتِ الْأَرْوَاحُ فِي مَلَكُوتِ عِزِّهِ بِخَالِصِ الْعِلْمِ بِهِ وَارِدَةً عَلَى حِيَاضِ الْمَعْرِفَةِ إِلَيْهِ صَادِرَةً وَلِبَابِهِ قَارِعَةً وَإِلَيْهِ فِي مَحَبَّتِهِ نَاظِرَةً، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْحَكِيمِ وَهُوَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
أُرَاعِي سَوَادَ اللَّيْلِ أُنْسًا بِذِكْرِهِ ... وَشَوْقًا إِلَيْهِ غَيْرَ مُسْتَكْرِهِ الصَّبْرِ
وَلَكِنْ سُرُورًا دَائِمًا وَتَعَرُّضًا ... وَقَرْعًا لِبَابِ الرَّبِّ ذِي الْعِزِّ وَالْفَخْرِ
فَحَالُهُمْ أَنَّهُمْ قُرِّبُوا فَلَمْ يَتَبَاعَدُوا وَرُفِعَتْ لَهُمْ مَنَازِلُ فَلَمْ يُخْفَضُوا وَنُوِّرَتْ قُلُوبُهُمْ لِكَيْ يَنْظُرُوا إِلَى مُلْكِ عَدْنٍ بِهَا يَنْزِلُونَ فَتَاهُوا بِمَنْ يَعْبُدُونَ -[249]- وَتَعَزَّزُوا بِمَنْ بِهِ يَكْتَنِفُونَ حَلُّوا فَلَمْ يَظْعَنُوا وَاسْتَوْطَنُوا مَحِلَّتَهُ فَلَمْ يَرْحَلُوا فَهُمُ الْأَوْلِيَاءُ وَهُمُ الْعَامِلُونَ وَهُمُ الْأَصْفِيَاءُ وَهُمُ الْمُقَرَّبُونَ أَيْنَ يَذْهَبُونَ عَنْ مَقَامِ قُرْبٍ هُمْ بِهِ آمِنُونَ؟ وَعَزُّوا فِي غُرَفٍ هُمْ بِهَا سَاكِنُونَ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ "

الصفحة 248