كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)
§الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُنَيْدُ وَمِنْهُمُ الْمُرَبِّي بِفِنُونِ الْعِلْمِ الْمُؤَيَّدِ بِعُيونِ الْحِلْمِ الْمُنَوَّرُ بِخَالِصِ الْإِيقَانِ وَثَابِتِ الْإِيمَانِ الْعَالِمُ بْمُودَعِ الْكِتَابِ وَالْعَامِلُ بِحِلْمِ الْخِطَابِ، الْمُوَافِقُ فِيهِ لِلْبَيَانِ وَالصَّوَابِ أَبُو الْقَاسِمِ الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُنَيْدُ: كَانَ كَلَامُهُ بِالنُّصُوصِ مَرْبُوطًا وَبَيَانُهُ بِالْأَدِلَّةِ مَبْسُوطًا، فَاقَ أَشْكَالَهُ بِالْبَيَانِ الشَّافِي وَاعْتِنَاقِهِ لِلْمَنْهَجِ الْكَافِي وَلُزُومِهِ لِلْعَمَلِ الْوَافِي
سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ الْمُفِيدَ يَقُولَانِ: سَمِعْنَا أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ: «§عِلْمُنَا مَضْبُوطُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَنْ لَمْ يَحْفَظِ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَكْتُبِ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ لَا يُقْتَدَى بِهِ» وَكَانَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ يَتَفَقَّهُ عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مِثْلَ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، فَأَحْكَمَ الْأُصُولَ وَصَحِبَ الْحَارِثَ بْنَ أَسَدٍ الْمُحَاسِبِيَّ وَخَالَهُ السَّرِيَّ بْنَ مُغَلِّسٍ فَسَلَكَ مَسْلَكَهُمَا فِي التَّحْقِيقِ بِالْعِلْمِ وَاسْتِعْمَالِهِ
سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مِقْسَمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْخَوَّاصَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: " كَانَ الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ الْمُحَاسِبِيُّ يَجِيءُ إِلَى مَنْزِلِنَا فَيَقُولُ: اخْرُجْ مَعِي نُصْحِرُ، فَأَقُولُ لَهُ: تُخْرِجُنِي مِنْ عُزْلَتِي وَأَمْنِي عَلَى نَفْسِي إِلَى الطُّرُقَاتِ وَالْآفَاتِ وَرُؤْيَةِ الشَّهَوَاتِ؟، فَيَقُولُ: اخْرُجْ مَعِي وَلَا خَوْفَ عَلَيْكَ، فَأَخْرُجُ مَعَهُ فَكَانَ الطَّرِيقُ فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَا نَرَى شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَإِذَا حَصُلْتُ مَعَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ قَالَ لِي: سَلْنِي، فَأَقُولُ لَهُ: مَا عِنْدِي سُؤَالٌ أَسْأَلُكَ فَيَقُولُ: سَلْنِي عَمَّا يَقَعُ فِي نَفْسِكَ، فَتَنْثَالُ عَلَيَّ السُّؤَالَاتُ فَأَسْأَلُهُ عَنْهَا فَيُجِيبُنِي عَلَيْهَا فِي الْوَقْتِ ثُمَّ يَمْضِي إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَعْمَلُهَا كُتُبًا فَكُنْتُ أَقُولُ -[256]- لِلْحَارِثِ كَثِيرًا: §عُزْلَتِي وَأُنْسِي وَتُخْرِجُنِي إِلَى وَحْشَةِ رُؤْيَةِ النَّاسِ وَالطُّرُقَاتِ فَيَقُولُ لِي: كَمْ تَقُولُ أُنْسِي وَعُزْلَتِي لَوْ أَنَّ نِصْفَ الْخَلْقِ تَقَرَّبُوا مِنِّي مَا وَجَدْتُ بِهِمْ أُنْسًا وَلَوْ أَنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ نَأَوْا عَنِّي مَا اسْتَوْحَشْتُ لِبُعْدِهِمْ "
الصفحة 255