كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَسُئِلَ، §عَنِ الرِّضَا، فَقَالَ: " سَأَلْتُمُ عَنِ الْعَيْشِ الْهَنِيءِ، وَقُرَّةِ الْعَيْنِ، مَنْ كَانَ عَنِ اللَّهِ رَاضِيًا، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَهْنَأُ الْعَيْشِ عَيْشُ الرَّاضِينَ عَنِ اللَّهِ، فَالرِّضَا اسْتِقْبَالُ مَا نَزَلَ مِنَ الْبَلَاءِ بِالطَّاقَةِ وَالْبِشْرِ وَانْتِظَارِ مَا لَمْ يَنْزِلْ مِنْهُ بِالتَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّهُ عِنْدَهُ أَحْسَنُ صُنْعًا بِهِ وَأَرْحَمُ بِهِ وَأَعْلَمُ بِمَا يُصْلِحُهُ فَإِذَا نَزَلَ الْقَضَاءُ لَمْ يَكْرَهْهُ وَكَانَ ذَلِكَ إِرَادَتَهُ، مُسْتَحْسِنًا ذَلِكَ الْفِعْلَ مِنْ رَبِّهِ فَإِذَا عَدَّ مَا نَزَلَ بِهِ إِحْسَانًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ رَضِيَ فَالرِّضَا هُوَ الْإِرَادَةُ مَعَ الِاسْتِحْسَانِ بِأَنْ يَكُونَ مَرِيدًا لِمَا صَنَعَ مُحِبًّا رَاضِيًا عَنِ اللَّهِ بِقَلْبِهِ "
سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ وَكَتَبَ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ كِتَابًا يَقُولُ فِيهِ: «§إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُخَلِّي الْأَرْضَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَلَا يُعَرِّيهَا مِنْ أَحِبَّائِهِ لِيَحْفَظَ بِهِمْ مَنْ جَعَلَهُمْ سَبَبًا لِحِفْظِهِ وَيَحْفَظَ بِهِمْ مَنْ جَعَلَهُمْ سَبَبًا لِكَوْنِهِ وَأَنَا أَسْأَلُ الْمَنَّانَ بِفَضْلِهِ وَطَوْلِهِ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكَ مِنَ الْأُمَنَاءِ عَلَى سِرِّهِ الْحَافِظِينَ لِمَا اسْتُحْفِظُوهُ مِنْ جَلِيلِ أَمْرِهِ تَجْمِيلًا مِنْهُ لَنَا بِأَعْظَمِ الرُّتَبِ وَإِشْرَافًا بِنَا عَلَى كُلِّ ظَاهَرٍ وَمُحْتَجَبٍ، وَقَدْ رَأَيْتُ اللَّهَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ زَيَّنَ بَسِيطَ أَرْضِهِ وَفَسِيحَ سَعَةِ مُلْكِهِ بِأَوْلِيَائِهِ وَأُولِي الْعِلْمِ بِهِ وَجَعَلَهُمْ أَبْهَجَ لَامِعٍ سَطَعَ نُورُهُ وَعَنَّ لِقُلُوبِ الْعَارِفِينَ ظُهُورُهُ، وَهُمْ أَحْسَنُ زِينَةً مِنَ السَّمَاءِ الْبَهِجَةِ بِضِيَاءِ نُجُومِهَا وَنُورِ شَمْسِهَا وَقَمَرِهَا، أُولَئِكَ أَعْلَامٌ لِمَنَاهِجِ سَبِيلِ هِدَايَتِهِ، وَمَسَالِكِ طُرُقِ الْقَاصِدِينَ إِلَى طَاعَتِهِ، وَمَنَارُ نُورٍ عَلَى مَدَارِجِ السَّاعِينَ إِلَى مُوَافَقَتِهِ وَهُمْ أَبْيَنُ فِي مَنَافِعِ الْخَلِيقَةِ أَثَرًا وَأَوْضَحُ فِي دِفَاعِ الْمَضَّارِ عَنِ الْبَرِيَّةِ خَيْرًا مِنَ النُّجُومِ الَّتِي بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ يُهْتَدَى وَبِأَثَرِهَا عِنْدَ مُلْتَبِسِ الْمَسَالِكِ يُقْتَدَى؛ لِأَنَّ دِلَالَاتِ النُّجُومِ تَكُونُ بِهَا نَجَاةُ الْأَمْوَالِ وَالْأَبْدَانِ، وَدِلَالَاتُ الْعُلَمَاءِ بِهَا تَكُونُ سَلَامَةُ الْأَدْيَانِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ مَنْ يَفُوزُ بِسَلَامَةِ دِينِهِ وَمَنْ يَفُوزُ بِسَلَامَةِ دُنْيَاهُ وَبَدَنِهِ»
الصفحة 280