كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَحْمَدَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ وَهُوَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: «§الْحَمْدَ لِلَّهِ إِلَهِي حَمْدًا كَإِحْصَاءِ عِلْمِكَ حَمْدًا يَرْقَى إِلَيْكَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ الطَّاهِرَةِ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ زَيْغٍ وَتُهْمَةٍ مُعَرًّى مِنِ الْعَاهَاتِ وَالشُّبُهَاتِ قَائِمًا فِي عَيْنِ مَحَبَّتِكَ بِحَنِينِ صِدْقِ إِخْلَاصِهِ لِيَكُونَ نُورُ وَجْهِكَ الْعَظِيمِ غَايَتَهُ وَقُدُسَ عَظَمَتِكَ نِهَايَتَهُ لَا يَسْتَقِرُّ إِلَّا عِنْدَ مَرْضَاتِكَ خَالِصًا بِوَفَاءِ إِرَادَتِكَ نُصْبَ إِرَادَتِكَ حَتَّى يَكُونَ لِمَحَامِدِكَ سَائِقًا قَائِدًا، إِلَهِي لَيْسَ فِي أُفُقِ سَمَوَاتِكَ وَلَا فِي قَرَارِ أَرْضِكَ فِي فَسَحَاتِ أَقَالِيمِهَا مَنْ يُحِبِّ أَنْ يَحْمَدَ غَيْرَكَ إِذْ أَنْتَ مُنْشِئُ الْمُنْشَآتِ لَا تَعْرِفُ شَيْئًا إِلَّا مِنْكَ، وَكَيْفَ لَا تَعْرِفُكَ الْأَشْيَاءُ وَلَمْ يُقِرَّ الْخَلْقُ إِلَّا لَكَ وَبَدْؤُهُ مِنْكَ وَأَمْرُهُ إِلَيْكَ وَعَلَانِيَتُهُ وَسَرُّهُ مُحْصًي فِي إِرَادَتِكَ فَأَنْتَ الْمُعْطِي وَالْمَانِعُ وَقَضَاؤُكَ الضَّارُّ وَالنَّافِعُ وَحِلْمُكَ يُمْهِلُ خَلْقَكَ، وَقَضَاؤُكَ يَمْحُو مَا تَشَاءُ مِنْ قَدَرِكَ تُحْدِثُ مَا شِئْتَ أَنْ تُحْدِثَهُ وَتَسْتَأْثِرُ بِمَا شِئْتَ أَنْ تَسْتَأْثِرَهَ، وَتَخْلُقُ مَا أَنْتَ مُسْتَغْنٍ عَنْ صُنْعِهِ، وَتَصْنَعُ مَا يَبْهَرُ الْعُقُولَ مِنْ حُسْنِ حِكْمَتِهِ لَا تُسْأَلُ عَمَّا تَفْعَلُ لَكَ الْحُجَّةُ فِيمَا تَفْعَلُ، وَعِنْدَكَ أَزِمَّةُ مَقَادِيرِ الْبَشَرِ وَتَصَارِيفِ الدُّهُورِ وَغَوَامِضِ سِرِّ النُّشُورِ، وَمِنْكَ فَهْمُ مَعْرِفَةِ الْأَشْخَاصِ النَّاطِقَةِ بِتَفَرِّيدِكَ لَا يَغِيبُ عَنْكَ مَا فِي أَكِنَّةِ سَرَائِرِ الْمُلْحِدِينَ وَلَا يَتَوَارَى عَنْ عِلْمِكَ اكْتِسَابُ خَوَاطِرِ الْمُبْطِلِينَ وَلَا يَهِيمُ فِي قَضَائِكَ إِلَّا الْجَاهِلُونَ وَلَا يَغْفُلُ عَنْ ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ إِلَّا الْغَافِلُونَ، وَلَا تَحْتَجِبُ عَنْكَ وَسَاوِسُ الصُّدُورِ وَلَا وَهْمُ الْهَوَاجِسِ، وَلَا إِرَادَةُ الْهِمَمِ وَلَا عُيونُ الْهِمَمِ الَّتِي تُخْرِجُ بَصَائِرَ الْقُلُوبِ، إِلَهِي فَكَيْفَ أَنْظُرُ إِنْ نَظَرْتُ إِلَّا إِلَى رَحْمَتِكَ؟ وَإِنْ غَضَضْتَ فَعَلَيَّ نِعَمُكَ، فَمِنْ فَضْلِكَ جَعَلْتَ حُكْمَكَ يَحْتَمِلُ عَلَى عَطْفِكَ وَمْنِ فَضْلِكَ جَعَلْتَ نِعَمَكَ تَعُمُّ جَمِيعَ خَلْقِكَ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ مَا لَا يَمْلِكُ غَيْرُكَ مِمَّا تَعْلَمُهُ يَا وَهَّابُ يَا فَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، وَاجْعَلْنِي مِنْ خَاصَّةِ أَوْلِيَائِكِ يَا خَيْرَ مَدْعُوٍّ وَأَكْرَمَ رَاحِمٍ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ هَارُونَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: «§اعْلَمْ أَنَّ الْمُنَاصَحَةَ، مِنْكَ لِلْخَلْقِ وَالْإِقْبَالَ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى بِكَ فِيكَ وَفِيهِمْ أَفْضَلُ -[284]- الْأَعْمَالِ لَكَ فِي حَيَاتِكَ وَأَقْرَبُهَا إِلَى أَوْلِيَائِكِ فِي وَقْتِكَ , وَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً وَأَعْظَمَهُمْ دَرَجَةً فِي كُلِّ وَقْتٍ وَزَمَنٍ وَفِي كُلِّ مَحَلٍّ وَوَطَنٍ أَحْسَنُهُمْ إِحْكَامًا لِمَا عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ، وَأَسْبَقُهُمْ بِالْمُسَارَعَةِ إِلَى اللَّهِ فِيمَا يُحِبُّهُ، وَأَنْفَعُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لِعِبَادِهِ فَخُذْ بِالْحَظِّ الْمُوفَرِ لِنَفْسِكَ وَكُنْ عَاطِفًا بِالْمَنَافِعِ عَلَى غَيْرِكَ وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَجِدَ سَبِيلًا تَسْلُكُهُ إِلَى غَيْرِكَ وَعَلَيْكَ بَقِيَّةٌ مُفْتَرَضَةٌ مِنْ حَالِكِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُؤَهَّلِينَ لِلرِّعَايَةِ إِلَى سَبِيلِ الْهِدَايَةِ وْالْمُرَادِينَ لِمَنَافِعِ الْخَلِيقَةِ وَالْمُرَتَّبِينَ لِلنَّذَارَةِ وَالْبِشَارَةِ أُيِّدُوا بِالتَّمْكِينَ وَأُسْعِدُوا بِرَاسِخِ عِلْمِ الْيَقِينِ وَكُشِفَ لَهُمْ عَنْ غَوَامِضَ مَعَالِمِ الدِّينِ وَفُتِحَ لَهُمْ فِي فَهْمِ الْكِتَابِ الْمُسْتَبِينِ، فَبَلَغُوا مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِهِ وَجَادَ بِهِ مِنْ عَظِيمِ أَمْرِهِ إِحْكَامَ مَا بِهِ أُمِرُوا، وَالْمُسَارَعَةَ إِلَى مَا إِلَيْهِ نُدِبُوا وَالدِّعَايَةَ إِلَى اللَّهِ بِمَا بِهِ مُكِّنُوا، وَهَذِهِ سِيرَةُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِيمَنْ بُعِثُوا إِلَيْهِمْ مِنَ الْأُمَمِ، وَسِيرَتُهُمْ فِي تَأْدِيَةِ مَا عَلِمُوهُ مِنَ الْحِكَمِ، وَسِيرَةُ الْمُتَّبِعِينَ لِآثَارِهِمْ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَسَائِرِ الدُّعَاةِ إِلَى اللَّهِ مِنْ صَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ»
الصفحة 283