كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)
سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ، يَقُولُ: " §الْمُخْلِصُونَ مِنَ الْوَرِعِينَ هُمُ الَّذِينَ تَفَقَّدُوا قُلُوبَهُمْ بِالْأَعْمَالِ وَالنِّيَّاتِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ وَسُكُونِهِمْ مُوَاظِبِينَ لِلِاسْتِقَامَةِ الْمُفْتَرَضَةِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَلَهُ مُحَافِظِينَ وَمِنْ دُخُولِ الْفَسَادِ عَلَيْهِمْ مُشْفِقِينَ فَأَوْرَثَهُمُ اللَّهُ مُرَاقَبَتَهُ فَهُنَالِكَ تَنْتَصِبُ قُلُوبُهُمْ بِمُدَاوَمَةِ الْمُحَافَظَةِ لِنَظَرِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ وَنَظَرِهِ إِلَى سَرَائِرِهِمْ، وَعِلْمِهِ بِحَرَكَاتِهِمْ وَسُكُونِهِمْ فَهُنَالِكَ تَقِفُ الْقُلُوبُ بِعِلْمِ اللَّهِ فَلَا تَنْبَعِثْ بِحَظْرَةٍ وَلَا هَمَّةٍ وَلَا إِرَادَةٍ وَلَا مَحَبَّةٍ وَلَا شَهْوَةٍ إِلَّا حَفِظُوا عِلْمَ اللهِ بِهِمْ فِي ذَلِكَ فَلَمْ تَبْرُزْ حَرَكَاتُ الضَّمِيرِ إِلَى تَحْرِيكِ الْجَوَارِحِ إِلَّا بِالتَّحْصِيلِ وَالتَّمْيِيزِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، وَلِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس: 61]، فَإِذَا انْتَصَبَتِ الْمُرَاقَبَةُ بِدَوَامِ انْتِصَابِ الْقُلُوبِ بِهَا فَهُنَالِكَ يَكُونُ تَمَامُ الْإِخْلَاصِ وَالْحَيْطَةِ فِي الْعَمَلِ وَهُنَالِكَ يوَرِّثْهُمُ اللَّهُ الْحَيَاءَ فَدَوَامُ الْمُرَاقَبَةِ يُفْشِي الْحَيَاءَ وَيَمُدُّهُ وَيَزِيدُ فِيهِ، وَالْحَيَاءُ يَعْمَرُ الْقُلُوبَ بِدَوَامِ الطَّهَارَةِ وَيُخْرِجُ مِنَ الْقُلُوبِ حَلَاوَةَ الْمَاءِ ثُمَّ حَلَاوَةَ الشَّهَوَاتِ، وَدَوَامُ الْحَيَاءِ يُوجِبُ عَلَى الْقُلُوبِ إِعْظَامَ حُرُمَاتِ اللَّهِ بِإِعْظَامِ مَقَامَ اللَّهِ حَيَاءً مِنْ جَلَالِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ إِجْلَالَ حُرُمَاتِ اللَّهِ فِي الْقُلُوبِ غَاسِلٌ لِلْقُلُوبِ بِمَاءِ الْحَيَاةِ الْوَارِدِ عَلَيْهَا مَنْ فَوَائِدِ اللَّهِ فَتَخْلُقُ الدُّنْيَا في قُلُوبِهِمْ وَتَصْغُرُ الْأَشْيَاءُ فِيهَا وَتَقْوَى حَرَكَاتُ الْيَقِينِ بِصَفَاءِ النَّظَرِ إِلَى الْمَوْعُودِ فَيُوصِلُهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا الْيَقِينُ بِالتَّوْبِيخِ فِي إِعْظَامِ الدُّنْيَا وَالسَّعْيِ لَهَا وَلِجَمْعِهَا "
سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ، يَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ §حَدَّ الشُّكْرِ، فِي الْقُلُوبِ خَارِجٌ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِالْفَرَحِ عَلَى النِّعَمِ وَالِاشْتِغَالِ بِبَهْجَتِهَا بِمَا يَغْلِبُ عَلَى النُّفُوسِ مِنْ شَرِّهَا عَلَيْهَا وَعَظِيمِ حَظِّهَا فِيهَا فَالشُّكْرُ خَارِجٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا مَا حَلَّ بِالْقُلُوبِ زَهَرَاتُ النِّعَمِ وَرَوْنَقُ صَفْوِهَا وَخَفْضُ الْعَيْشِ فِيمَا هَاجَ فِي الْقُلُوبِ -[296]- ذَكَرَ الْمُنْعِمَ بِهَا وَالْمُتَوَلِّي لِلِامْتِنَانِ بِهَا فَاتَّصَلَ فَرَحُهُمْ بِشُكْرِهِ وَأَوْصَلَتْهُمُ النِّعْمَةُ إِلَى الِابْتِهَاجِ بِالْمُنْعِمِ وَالذِّكْرِ لَهُ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، فَهَذَا حَدُّ الشُّكْرِ فِيمَا ذَاقَتْهُ الْقُلُوبُ، فَلَمَّا صُرِفَتِ الْأَفْرَاحُ عَنْ حُظُوظِ النُّفُوسِ، إِلَى مَوَاضِعِ الشُّكْرِ ابْتِهَاجًا بِالْمُنْعِمِ دُونَ حَظِّ النُّفُوسِ بِالنِّعْمَةِ، خَلُصَتْ تِلْكَ الْأَفْرَاحُ رِضَاءً عَنِ اللَّهِ، وَبَشَاشَةُ الْقُلُوبِ لِمَا يَرْضَاهُ، وَاخْتِلَافُ الْأَحْكَامِ بِمُخَالَفَةِ الْمَحَابِّ، وَالسُّرُورُ بِمُرِّ الْقَضَاءِ وَيَكُونُ السُّرُورُ مَقْرُونًا بِالْمَحَبَّةِ لِلَّهِ الَّتِي هِيَ مَعْقُودَةٌ فِي عُقُودِ الْإِيمَانِ وَمَوْجُودَةٌ فِي أَصْلِ الْعِرْفَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِثَلَاثِ حَالَاتٍ: إِخْلَاصٌ لِتَوْحِيدِهِ، وَرِضًا بِهِ أَنَّهُ رَبٌّ، وَمَحَبَّةً لَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، إِذْ هُوَ إِلَهُهُ وَمَالِكُ ضُرِّهِ وَنَفْعِهِ وَرَفْعِهِ وَوَضْعِهِ وَحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ، فَوَلِهَتِ الْقُلُوبُ إِلَيْهِ بِضُرِّ الْفَاقَةِ فَهَذَا مَعْنَى الْمَحَبَّةِ الْمُفْتَرَضَةِ فِي عُقُودِ الْإِيمَانِ كَفَرْضِ الْإِيمَانِ " قَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: كَانَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، حُظُوظُهُ فِي فُنُونِ الْعِلْمِ غَزِيرَةٌ وَتَصَانِيفُهُ بِالْمَسَانِيدِ وَالرِّوَايَاتِ شَهِيرَةٌ
الصفحة 295