كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى قَالَ: أَنْشَدَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: أَنْشَدَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْفُرْغَانِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنَا سَمْنُونٌ الْبَصْرِيُّ:
[البحر الطويل]
§أَحِنُّ بِأَطْرَافِ النَّهَارِ صَبَابَةً ... وَبِاللَّيْلِ يَدْعُونِي الْهَوَى فَأُجِيبُ
وَأَيَّامُنا تَفْنَى وَشَوْقِي زَائِدٌ ... كَأَنَّ زَمَانَ الشَّوْقِ لَيْسَ يَغِيبُ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْعَجَّانَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سَمْنُونًا، يَقُولُ: «§إِذَا بَسَطَ الْجَلِيلُ غَدًا بِسَاطَ الْمَجْدِ دَخَلَ ذُنُوبُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي حَاشِيَةٍ مِنْ حَوَاشِيهِ وَإِذَا أَبْدَى عَيْنًا مِنْ عُيونِ الْجُودِ أَلْحَقَ الْمُسِيءَ بِالْمُحْسِنِ»
أُخْبِرْتُ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَفُيْلٍ، وَقَدْ لَقِيتُهُ بِجُرْجُوَايَا قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْهَاشِمِيَّ، يَقُولُ: كُنْتُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ وَعَلَيَّ جُبَّةٌ وَكِسَاءٌ وَأَخَذَ الْبَرْدُ وَالثَّلْجُ يَسْقُطُ فَرَأَيْتُ شَابًّا عَلَيْهِ خِرْقَتَانِ فِي صَحْرَاءَ يَمْشِي فَقُلْتُ: يَا حَبِيبِي لَوِ اسْتَتَرْتَ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَرْوِقَةِ فَتُكِنُّكَ مِنَ الْبَرْدِ فَقَالَ لِي: يَا أَخِي، سَمْنُونُ:
[البحر الطويل]
§وَيُحْسِنُ ظَنِّي أَنَّنِي فِي فِنَائِهِ ... وَهَلْ أَحَدٌ فِي كَنِّهِ يَجِدُ الْقَرَّا
أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ، فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيُّ: فَرَّقَ رَجُلٌ بِبَغْدَادَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ لِي سَمْنُونٌ: " يَا أَبَا أَحْمَدَ، §مَا تَرَى مَا أَنْفَقَ هَذَا وَمَا قَدْ عَمِلَهُ، نَحْنُ مَا نَرْجِعُ إِلَى شَيْءٍ نُنْفِقُهُ فَامْضِ بِنَا إِلَى مَوْضِعٍ نُصَلِّي فِيهِ بِكُلِّ دِرْهَمٍ أَنْفَقَهُ رَكْعَةً فَذَهَبْنَا إِلَى الْمَدَائِنِ فَصَلَّيْنَا أَرْبَعِينَ أَلْفَ رَكْعَةٍ وَزُرْنَا قَبْرَ سَلْمَانَ وَانْصَرَفْنَا، وَكَانَ يَقُولُ: أَوَّلُ وَصْلُ الْعَبْدِ هُجْرَانُهُ لِنَفْسِهِ وَأَوَّلُ هُجْرَانِ الْعَبْدِ لِلْحَقِّ تَعَالَى مُوَاصَلَتُهُ لِنَفْسِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: مَضَى الْوَقْتُ فَصَارَ الْوَقْتُ مَقْتًا وَقْتُكَ خَرَابٌ وَقَلْبُكَ فِي الْمِحْرَابِ وَمَنْ كَانَتْ عِبَادَتُهُ عَنَاءً كَانَتْ ثَمَرَتُهُ ضَنَاءً " وَمِنْهُمُ الْمَشْهُورِينَ بِالنُّسُكِ وَالتَّعَبُّدِ السَّالِكُونَ مَسْلَكَ أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ الَّذِينَ تَخَرَّجُوا عَلَى الْمُتَحَقِّقِينَ وَرَاضُوا أَنْفُسَهُمْ رِيَاضَةَ الْعُلَمَاءِ -[312]- الْمُتَّقِينَ كَعَلِيِّ بْنِ الْمُوَفَّقِ، وَأَبِي عُثْمَانَ الْوَرَّاقِ وَأَيُّوبَ الْحَمَّالِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَلَّاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ كَانَتْ بَوَاطِنُهُمْ بِالْمُشَاهَدَةِ عَامِرَةً وَظَوَاهِرُهُمْ عَنِ الْمُنَاظَرَةِ وَالْمُذَاكَرَةِ شَاغِلَةً، فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ غَيْرُ الْأَحْوَالِ الْمَكِينَةِ اللَّطِيفَةِ

الصفحة 311