كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)
وَحَكَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ، يَقُولُ: «§عَقَدْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا أَمْشِيَ غَافِلًا وَلَا أَمْشِيَ إِلَّا ذَاكِرًا فَمَشَيْتُ مِشْيَةَ غَفْلَةٍ فَأَخَذَتْنِي عَرْجَةٌ فَعَلِمْتُ مِنْ أَيْنَ أُتِيتُ فَبَكَيْتُ وَاسْتَغَثْتُ فَتُبْتُ فَزَالَتِ الْعِلَّةُ وَالْعُرْجَةُ فَرَجَعْتُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي غَفَلْتُ فِيهِ فَرَجَعْتُ إِلَى الذِّكْرِ فَمَشَيْتُ سَلِيمًا»
§أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَلَّاءُ وَأَمَّا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَلَّاءُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى فَهُوَ بَغْدَادِيٌّ سَكَنَ الرَّمْلَةَ، صَحِبَ ذَا النُّونِ وَأَبَا تُرَابٍ، وَأَبَاهُ يَحْيَى الْجَلَّاءِ، لَهُ النُّكَتُ اللَّطِيفَةُ، أَحَدُ أَئِمَّةِ الْقَوْمِ، لَمْ يَكُنْ بِالشَّامِ فِي حَالِهِ لَهُ شَبِيهٌ مَذْكُورٌ، تَخَرَّجَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَذْكُوُرِينَ
سَمِعْتُ وَالِدِي، يَذْكُرُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " §يَحْتَاجُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ يَعْرِفُ بِهِ كُلَّ شَيْءٍ وَكَانَ يَقُولُ: مَنِ اسْتَوَى عِنْدَهُ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ فَهُوَ زَاهِدٌ وَمَنْ حَافَظَ عَلَى الْفَرَائِضِ فِي أَوَّلِ مَوَاقِيتِهَا فَهُوَ عَابِدٌ، وَمَنْ رَأَى الْأَفْعَالَ كُلَّهَا مِنَ اللَّهِ فَهُوَ مُوَحِّدٌ "
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْيَقْطِينِيَّ، يَقُولُ: حَضَرْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقِيلَ لَهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْبَادِيَةَ بِلَا عُدَّةٍ وَلَا زَادٍ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُتَوَكِّلَةٌ فَيَمُوتُونَ، قَالَ: «§هَذَا فِعْلُ رِجَالِ الْحَقِّ فَإِنْ مَاتُوا فَالدِّيَةُ عَلَى الْقَاتِلِ»
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ الْفَارِسِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيٍّ، يَقُولُ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَلَّاءُ عَنِ الْحَقِّ، فَقَالَ: " §إِذَا كَانَ الْحَقُّ وَاحِدًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ طَالِبُهُ وَاحِدًا فِي الذَّاتِ، وَقَالَ: سَمَتْ هِمَمُ الْمُرِيدِينَ إِلَى طَلَبِ الطَّرِيقِ إِلَيْهِ فَأَفْنَوْا نُفُوسَهُمْ فِي الطَّلَبِ، وَسَمَتْ هِمَمُ الْعَارِفِينَ إِلَى مَوْلَاهُمْ فَلَمْ تَعْطِفْ عَلَى شَيْءٍ سِوَاهُ "
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الدِّمَشْقِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَلَّاءَ، يَقُولُ: " §الْحَقُّ اسْتَصْحَبَ أَقْوَامًا لِلْكَلَامِ وَاسْتَصْحَبَ أَقْوَامًا لِلْخُلَّةِ فَمَنِ اسْتَصْحَبَهُ الْحَقُّ لِمَعْنًى ابْتَلَاهُ -[315]- بِأَنْوَاعِ الْمِحَنِ فَلْيَحْذَرْ أَحَدُكُمْ طَلَبَ رُتْبَةِ الْأَكَابِرِ، وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ بَلَغَ بِنَفْسِهِ إِلَى رُتْبَةٍ سَقَطَ عَنْهَا وَمَنْ بُلِغَ بِهِ ثَبَتَ عَلَيْهَا، وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنِ الْمَحَبَّةِ، قَالَ: مَا لِي وَلِلْمَحَبَّةِ؟ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ التَّوْبَةَ، وَسُئِلَ كَيْفَ تَكُونُ لَيَالِي الْأَحْبَابِ؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الكامل]
مَنْ لَمْ يَبِتْ وَالْحُبُّ حَشْوُ فُؤَادِهِ ... لَمْ يَدْرِ كَيْفَ تُفَتَّتُ الْأَكْبَادُ؟
الصفحة 314