كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)
أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ، فِي كِتَابِهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْكَتَّانِيُّ قَالَ: قَالَ أَبُو الْأَزْهَرِ وَجَمَاعَةً مِنْ إِخْوَانِنَا: اجْتَمَعَ نَفَرٌ عَلَى بَابٍ يَفْتَحَونَهُ فَلَمْ يَنْفَتِحْ فَقَالَ لَهُمْ أَبُو حَمْزَةَ: " §تَنَحَّوْا فَأَخَذَ الْغَلَقَ بِيَدِهِ فَحَرَّكَهُ وَقَالَ: بِكَذَا إِلَّا فَتَحْتَهُ فَانْفَتَحَ وَكَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي مِنْ أَفْقَرِ خَلْقِكَ إِلَيْكَ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ فَقْرِي إِلَيْكَ بِمَعْنًى هُوَ غَيْرُكَ فَلَا تَسُدَّ فَقْرِي، وَكَانَ يَقُولُ: إِذَا صَاحَ الْمُحِبُّ لِلدُّنْيَا فَإِنَّمَا ذَاكَ شَيْطَانٌ يَصِيحُ فِي جَوْفِهِ "
وَحَكَى لِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ بَكْرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الرَّمْلِيَّ يَقُولُ: تَكَلَّمَ أَبُو حَمْزَةَ فِي جَامِعِ طَرْسُوسَ فَقَبِلُوهُ فَبَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ يَتَكَلَّمُ إِذْ صَاحَ غُرَابٌ عَلَى سَطْحِ الْجَامِعِ فَزَعَقَ أَبُو حَمْزَةَ وَقَالَ: " §لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، فَنَسَبُوهُ إِلَى الزَّنْدَقَةِ وَقَالُوا: حُلُولِيٌّ زِنْدِيقٌ، فَشَهِدُوا وَأُخْرِجَ وَبِيعَ فَرَسُهُ بِالْمُنَادَاةِ عَلَى بَابِ الْجَامِعِ، هَذَا فَرَسُ الزَّنْدِيقِ، فَذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ابْتَعْتُهُ وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ يُخْرِجُونَهُ مِنْ بَابِ الشَّامِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ:
[البحر الخفيف]
لَكَ مِنْ قَلْبِي الْمَكَانُ الْمَصُونُ ... كُلُّ صَعْبٍ عَلَيَّ فِيكَ يَهُونُ
وَأَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ، فِي كِتَابِهِ , عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْكَتَّانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ، يَقُولُ: «§لَوْلَا الْغَفْلَةُ لَمَاتَ الصِّدِّيقُونَ مِنْ رَوْحِ ذِكْرِ اللَّهِ»
وَحَكَى -[322]- عَنْهُ خَيْرٌ النَّسَّاجُ قَالَ: قَالَ أَبُو حَمْزَةَ: " §إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَدْخُلَ الْبَادِيَةَ عَلَى شِبَعٍ وَأَنَا مُعْتَقِدٌ لِلتَّوَكُّلِ فَيَكُونُ شِبَعِي زَادًا تَزَوَّدْتُهُ وَسُئِلَ عَنِ الْأُنْسِ، فَقَالَ: ضِيقُ الصَّدْرِ مِنْ مُعَاشَرَةِ الْخَلْقِ، وَكَانَ يَقُولُ: مَنِ اسْتَشْعَرَ الْمَوْتَ حُبِّبَ إِلَيْهِ كُلُّ بَاقٍ وَبُغِّضَ إِلَيْهِ كُلُّ فَانٍ، وَمَنِ اسْتَوْحَشَ مِنْ نَفْسِهِ أَنِسَ قَلْبُهُ بِمُوَافَقَةِ مَوْلَاهُ وَقَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: خَفْ سَطْوَةَ الْعَدْلِ وَارْجُ دِقَّةَ الْفَضْلِ وَلَا تَأْمَنْ مُكْرَهُ وَإِنْ أَنْزَلَكَ الْجِنَّانَ فَفِي الْجَنَّةِ وَقَعَ لِأَبِيكَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا وَقَعَ وَقَدْ يُقْطَعُ بِقَوْمٍ فِيهَا فَيقَالُ لَهُمْ: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24]، فَشَغَلَهُمْ عَنْهُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَلَا مَكْرَ فَوْقَ هَذَا، وَلَا حَسْرَةَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَسُئِلَ: أَيَفْزَعُ الْمُحِبُّ إِلَى شَيْءٍ سِوَى مَحْبُوبِهِ؟ فَقَالَ: لَا إِنَّهُ بَلَاءٌ دَائِمٌ وَسُرُورٌ مُنْقَطِعٌ وَأَوْجَاعٌ مُتَّصِلَةٌ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا مَنْ بَاشَرَهَا وَأَنْشَدَ:
[البحر الطويل]
يُلَاقِي الْمُلَاقِي شَجْوَهُ دُونَ غَيْرِهِ ... وَكُلُّ بَلَاءٍ عِنْدَ لَاقِيهِ أَوَجَعُ
وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ نَصَحَ لِنَفْسِهِ كَرُمَتْ عَلَيْهِ وَمَنْ تَشَاغَلَ عَنْ نَصِيحَتِهَا هَانَتْ عَلَيْهِ وَمَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِنَظْرَةِ شَفَقَةٍ فَإِنَّ تِلْكَ النَّظْرَةَ تُنْزِلُهُ مَنَازِلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَتُزَيِّنُهُ بِالصِّدْقِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالْعَارِفُ يَخَافُ زَوَالَ مَا أُعْطِيَ وَالْخَائِفُ يَخَافُ نُزُولَ مَا وُعِدَ وَالْعَارِفُ يُدَافِعُ عَيْشَهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ وَيَأْخُذُ عَيْشَهُ لِيَوْمٍ "
الصفحة 321