كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)
§أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرَاثِيُّ وَمِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرَاثِيُّ صَاحِبُ النُّكَتِ الْمَرْضِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ الزَّكِيَّةِ مِنْ كِبَارِ الْمَشَايخِ وَمُتَقَدِّمِيهِمْ
أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُفِيدُ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ الْعُثْمَانِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَنِي الْبُرْجُلَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبَرَاثِيُّ، يَقُولُ: «§حَمَلَتْنَا الْمَطَامِعُ عَلَى أَسْوَأِ الصَّنَائِعِ نَذِلُّ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ لَنَا عَلَى ضُرٍّ وَلَا نَفْعٍ وَنَخْضَعُ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ لَنَا رِزْقًا وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا، فَكَيْفَ أَزْعُمُ أَنِّي أَعْرِفُ رَبِّي حَقَّ مَعْرِفَتِهِ؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِلْمَعْرِفَةِ تَحْقِيقٌ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ عَلَى جُمْلَةِ مَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ، وَأَهْلُ التَّحْقِيقِ لِلْمَعْرِفَةِ هُمُ الْمُجْتَهِدُونَ الْمُجِدُّونَ للَّهِ في طَاعَتِهِ»
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، فِي كِتَابِهِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبَرَاثِيَّ، يَقُولُ: " §بِالْمَعْرِفَةِ هَانَتْ عَلَى الْعَامِلِينَ عِبَادَتُهُمْ وَبِالرِّضَا عَنْ تَدْبِيرِهِ زَهِدُوا فِي الدُّنْيَا وَرَضُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِتَدْبِيرِهِ وَكَانَ يَقُولُ: كَرَمُكَ سَيِّدِي أَطْمَعَنَا فِي عَفْوِكَ، وَجُودُكَ أَطْمَعَنَا فِي فَضْلِكَ وَذُنُوبُنَا تُؤْيِسُنَا مِنْ ذَلِكَ وَتَأْبَى قُلُوبُنَا لِمَعْرِفَتِهَا بِكَ أَنْ تَقْطَعَ رَجَاءَهَا مِنْكَ، فَتَفَضَّلْ بِهَا يَا كَرِيمُ وَجُدْ بِعَفْوِكَ يَا رَحِيمُ، وَكَانَ يَقُولُ: أَمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ مُلَاقَاةِ السُّرُورِ وَمُجَالَسَةِ الْأَبْرَارِ فِي كُلِّ لَذَّةٍ وَحُبُورٍ إِلَّا أَنْ تَخْرُجَ نَفْسُكَ مِنْ بَيْنِ جَنَبَيْكَ وَالْمَوْلَى عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ يَبْكِي وَيَقُولُ: وَأَنَّى لَنَا بِالرِّضَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ مَا عِنْدَنَا مِنَ الْخَطَايَا وَالْآثَامِ ثُمَّ يَبْكِي "
§أَبُو شُعَيْبٍ الْبَرَاثِيُّ وَمِنْهُمْ أَبُو شُعَيْبٍ الْبَرَاثِيُّ ذُو الْأَحْوَالِ الْعَالِيَةِ مِنْ مُتَقَدِّمِي شُيوخِ بَغْدَادَ
أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ، فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: كَانَ أَبُو شُعَيْبٍ الْبَرَاثِيُّ أَوَّلَ مَنْ سَكَنَ بَرَاثَا فِي كُوخٍ يَتَعَبَّدُ فِيهِ فَمَرَّتْ بِكُوخِهِ جَارِيَةٌ مِنْ بَنَاتِ الْكِبَارِ مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا كَانَتْ رُبِّيَتْ فِي قُصُورِ الْمُلُوكِ فَنَظَرَتْ إِلَى أَبِي شُعَيْبٍ فَاسْتَحْسَنَتْ حَالَهُ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ فَصَارَتْ كَالْأَسِيرِ لَهُ فَعَزَمَتْ عَلَى التَّجَرُّدِ عَنِ الدُّنْيَا، وَالِاتِّصَالِ -[324]- بِأَبِي شُعَيْبٍ فَجَاءَتْ إِلَيْهِ وَقَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ لَكَ خَادِمًا، فَقَالَ لَهَا: " §إِنْ أَرَدْتِ ذَلِكَ فَغَيِّرِي مِنْ هَيْئَتِكِ وَتَجَرَّدِي عَمَّا أَنْتِ فِيهِ حَتَّى تَصْلُحِي لِمَا أَرَدْتِ، فَتَجَرَّدَتْ مِنْ كُلِّ مَا تَمْلِكُهُ وَلَبِسَتْ لُبْسَةَ النُّسَّاكِ وَحَضَرَتْهُ فَتَزَوَّجَهَا فَلَمَّا دَخَلَتِ الْكُوخَ رَأَتْ قِطْعَةَ خِصَافٍ وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهَا أَبُو شُعَيْبٍ تَقِيهِ مِنَ النَّدَى، فَقَالَتْ: مَا أَنَا بِمُقِيمَةٍ فِيهَا حَتَّى تُخْرِجَ مَا تَحْتَكَ لِأَنِّي سَمِعْتُكَ تَقُولُ: إِنَّ الْأَرْضَ تَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، تَجْعَلُ الْيَوْمَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ حِجَابًا وَأَنْتَ غَدًا فِي بَطْنِي؟، فَمَا كُنْتُ لِأَجْعَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَابًا، فَأَخَذَ أَبُو شُعَيْبٍ الْخِصَافَ وَرَمَى بِهِ فَمَكَثَتْ مَعَهُ سِنِينَ كَثِيرَةً يَتَعَبَّدَانِ أَحْسَنَ عِبَادَةٍ وَتُوُفِّيَا عَلَى ذَلِكَ مُتَعَاوِنَيْنِ "
الصفحة 323