كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)
§عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: كَانَ مِنَ الْمُتَحَقِّقِينَ الْوَاثِقِينَ، صَحِبَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِ السَّرِيِّ وَبِشْرٍ
ذَكَرَ لِي أَبُو بَكْرٍ الْمُفِيدُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْخَوَّاصِ قَالَ: " §دَخَلْتُ مَسْجِدَ التَّوْبَةِ فَرَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحِيمِ مُسْتَنِدًا إِلَى سَارِيَةٍ فَقُلْتُ لِلْقَيِّمِ: مَتَى قَعَدَ هَذَا الرَّجُلُ هَاهُنَا؟ فَقَالَ: الْيَوْمَ، ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ قَاعِدًا عَلَى مَا تَرَاهُ لَمْ يَخْرُجْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، فَقَعَدْتُ بِحِذَائِهِ فَلَمَّا أَمْسَيْنَا قُلْتُ لَهُ: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ حَتَّى أَحْمِلَهُ وَنَأْكُلَ؟ فَسَكَتَ عَنِّي فَكَرَّرْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: أُرِيدُ مَصْلِيَّةً مُعْقَدَةً وَخُبْزًا حَارًّا، فَخَرَجْتُ إِلَى بَابِ الشَّامِ فَطَلَبْتُ ذَلِكَ فَلَمْ أَجِدْهُ فَعَاتَبْتُ نَفْسِي وَقُلْتُ: يَا فُضُولِيُّ، مَنْ دَعَاكَ إِلَى أَنْ تَسْتَدْعِيَ شَهْوَتَهُ؟ لَوِ اشْتَرَيْتُ خُبْزًا وَإِدَامًا وَحَمَلْتُ اسْتَغْنَيْتُ عَنْ ذَلِكَ، وَرَجَعْتُ مُغْتَمًّا إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا رَجُلٌ يَدُقُّ بَابَ الْمَسْجِدِ فَقُلْتُ: مَنْ؟ فَقَالَ: افْتَحْ، فَفَتَحْتُ فَإِذَا عَلَى رَأْسِهِ زِنْبِيلٌ فَحَطَّهُ وَقَالَ لِي: أَسْأَلُكُ أَنْ يَأْكُلَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ خُبْزًا حَارًّا وَمَصْلِيَّةً مُعْقَدَةً فِي قِدْرٍ فَبُهِتُّ وَقُلْتُ: لَا نَمَسُّهُ حَتَّى تُخْبِرَنِي بِهِ فَقَالَ: أَنا رَجُلٌ صَانِعٌ وَاشْتَهَيْتُ مَصْلِيَّةً مُعْقَدَةً وَخُبْزًا حَارًّا فَاشْتَرَيْتُ اللَّحْمَ وَمَا يُصْلِحُهُ وَأَمَرَتْهُمْ بِطَبْخِهِ وَأَنْ يَخْبُزُوا خُبْزًا حَارًّا وَجِئْتُ الْعَتَمَةَ مِنَ الدُّكَّانِ وَبَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْهُ مَا كَانَ خَبَزَ الْخُبْزَ فَحَلَفْتُ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ أَوِ الْمَصْلِيَّةِ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ فِي مَسْجِدِ التَّوْبَةِ فَأُحِبُّ أَنْ تَأْكُلُوهُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، أَنْتَ أَرَدْتَ أَنْ تُطْعِمَهُ لِمَ غَمَمْتَنِي فِي الْوَسَطِ؟ "
§مُحَمَّدٌ السَّمِينُ وَمِنْهُمُ الْفَاتِكُ الْأَمِينُ الْقَوِيُّ الْمَكِينُ الْمَعْرُوفُ بِمُحَمَّدٍ السَّمِينٍ
أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فِي كِتَابِهِ وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: قَالَ مُحَمَّدٌ السَّمِينُ: " §كُنْتُ فِي وَقْتٍ مِنْ أَيَّامِي مَحْمُولًا أَعْمَلُ عَلَى -[337]- الشَّوْقِ وَأَنَا أَجِدُ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَا مُسْتَقْبِلٌ، فَخَرَجَ النَّاسُ فِي غَزَاةٍ وَخَرَجْتُ مَعَهُمْ فَاشْتَدَّتْ شَوْكَةُ الرُّومِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْتَقَوْا وَلَحِقَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ خَوْفٌ لِكَثْرَتِهِمْ فَرَأَيْتُ نَفْسِي مُرَوَّعًا تَضْطَرِبُ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَوَبَّخْتُ نَفْسِي أَلُومُهَا وَأَقُولُ لَهَا: أَيْنَمَا كُنْتِ تَدَّعِينَهُ مِنَ الشَّوْقِ وَأُعَاتِبُهَا أَقُولُ لَهَا: لَمَّا ظَفِرْتِ بِمَا كُنْتِ تُؤَمِّلِينَ تَغَيَّرْتِ وَاضْطَرَبْتِ فَبَيْنَا أَنَا فِي، عِتَابِي وَتَوْبِيخِي لَهَا وَقَعَ لِي أَنْ أَنْزِلَ إِلَى هَذَا الْبَحْرِ وَأَغْتَسِلَ وَبِحَضْرَتِنَا نَهْرٌ مِنْ أَنْهَارِ الرُّومِ فَخَلَعْتُ ثِيَابِي وَاتَّزَرْتُ وَدَخَلْتُ الْبَحْرَ فَاغْتَسَلْتُ فَأُعْطِيتُ قُوَّةً وَذَهَبَ عَنِّي الرَّوْعُ وَالِاضْطِرَابُ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ وَاشْتَدَّتْ بِيَ الْعَزِيمَةَ فَخَرَجْتُ وَلَبِسْتُ ثِيَابِي، وَأَخَذْتُ سِلَاحِي وَأَتَيْتُ الصَّفَّ فَحَمَلْتُ حَمَلَةً لَا أَحُسُّ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا فَخَرَقْتُ صُفُوفَ الْمُسْلِمِينَ وَصُفُوفَ الرُّومِ وَصِرْتُ مِنْ وَرَاءِ صُفُوفِ الرُّومِ فَكَبَّرْتُ تَكْبِيرَةً فَسَمِعَ الْعَدُوُّ تَكْبِيرَتِي وَقَدَّرُوا أَنَّ كَمِينًا لِلْمُسْلِمِينَ قَدْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ فَوَلَّوْا مُنْهَزِمِينَ وَحَمَلَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ فَقُتِلَ مِنْهُمْ نَحْوُ أَرْبَعَةِ آلَافِ رَجُلٍ وَجَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ التَّكْبِيرَ سَبَبًا لِلْفَتْحِ وَالنَّصْرِ "
الصفحة 336