كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)
سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: دَخَلَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ شَفِيعٍ عَلَيْهِ عَائِدًا فِي دَارِ الْمَرْضَى قَالَ: فَسَمِعْتُ صِيَاحَهُ، يَقُولُ:
[البحر الرمل]
§صَحَّ عِنْدَ النَّاسِ أَنِّي عَاشِقٌ ... غَيْرَ أَنْ لَمْ يَعْلَمُوا عِشْقِي لِمَنْ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيَّ، يَقُولُ: وَقَفْتُ يَوْمًا عَلَى حَلْقَةِ أَبِي بَكْرٍ الشِّبْلِيِّ فَوَقَفَ سَائِلٌ عَلَى حَلْقَتِهِ وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا اللَّهُ، يَا جَوَادُ، فَتَأَوَّهَ الشِّبْلِيُّ وَصَاحَ وَقَالَ: " §كَيْفَ يُمْكِنُنِي أَنْ أَصِفَ الْمُحِقَّ بِالْجُوْدِ وَمَخْلُوقٌ يَقُولُ فِي شَكْلِهِ:
[البحر الطويل]
تَعَوَّدَ بَسْطَ الْكَفِّ حَتَّى لَوَ انَّهُ ... ثَنَاهَا لِقَبْضٍ لَمْ تُجِبْهُ أَنَامِلُهُ
تَرَاهُ إِذَا مَا جِئْتَهُ مُتَهَلِّلًا ... كَأَنَّكَ تُعْطِيهِ الَّذِي أَنْتَ آمِلُهُ
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي كَفِّهِ غَيْرُ رُوحِهِ ... لَجَادَ بِهَا فَلْيَتَّقِ اللَّهَ سَائِلُهُ
هُوَ الْبَحْرُ مِنْ أَيِّ النَّوَاحِي أَتَيْتَهُ ... فَلُجَّتُهُ الْمَعْرُوفُ وَالْجُودُ سَاحِلُهُ
ثُمَّ بَكَى وَقَالَ: بَلَى، يَا جَوَادُ، فَإِنَّكَ أَوَجَدْتَ تِلْكَ الْجَوَارِحَ وَبَسَطْتَ تِلْكَ الْهُمُومَ ثُمَّ مَنَنْتَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَقْوَامٍ بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمْ وَعَمَّا فِي أَيْدِيهِمْ بِكَ فَإِنَّكَ الْجَوَادُ، كُلَّ الْجَوَادِ فَإِنَّهُمْ يُعْطُونَ عَنْ مَحْدُودٍ وَعَطَاؤُكَ لَا حَدَّ لَهُ وَلَا صِفَةَ، فَيَا جَوَادُ، يَعْلُو كُلَّ جَوَادٍ وَبِهِ جَادَ مَنْ جَادَ "
سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مَنْصُورِ بْنِ نَصْرٍ، يَقُولُ: جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ الشِّبْلِيُّ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ وَكَانَ فِي مَسْجِدِهِ غَائِبًا فَسَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ لَهُ: هُوَ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى فَقَصَدَ دَارَ عَلِيٍّ فَاسْتَأْذَنَ فَقِيلَ أَبُو بَكْرٍ الشِّبْلِيُّ يَسْتَأْذِنُكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ لِعَلِيِّ بْنِ عِيسَى: الْيَوْمَ أُرِيكَ مِنَ -[374]- الشِّبْلِيِّ عَجَبًا، فَلَمَّا دَخَلَ وَقَعَدَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أُخْبِرْتُ أَنَّكَ تَحْرِقُ الثِّيَابَ وَالْخُبْزَ وَالْأَطْعِمَةَ وَمَا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ مِنْ مَنَافِعِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ، أَيْنَ هَذَا مِنَ الْعِلْمِ وَالشَّرْعِ؟ فَقَالَ لَهُ: " §قَوْلُ اللهِ: {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص: 33]، أَيْنَ هَذَا مِنَ الْعِلْمِ؟ فَسَكَتَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ وَقَالَ لِعَلِيٍّ: كَأَنِّي لَمْ أَقْرَأْهَا قَطُّ وَبَلَغَنِي عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُمْ عَاتَبُوهُ فِي مِثْلِهِ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98]، وَتَلَا: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف: 26]، هَذِهِ الْأَطْعِمَةُ وَهَذِهِ الشَّهَوَاتُ حَقِيقَةُ الْخَلْقِ وَمَعْبُودُهُمُ أَبْرَأ مِنْهُمْ وَأُحَرِّقُهُ
الصفحة 373