كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)

§بُنْدَارُ بْنُ الْحَسَنِ وَمِنْهُمْ أَبُو الْحُسَيْنِ بُنْدَارُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَلَّبِ، كَانَ بِعِلْمِ الْأُصُولِ مُهَذَّبًا وَفِي الْحَقَائِقِ مُقَرَّبًا، كَانَ لَهُ الْقَلْبُ الْعَقُولُ وَاللِّسَانُ السَّئُولُ، وَكَانَ لِلْمُخْلِصِينَ عَضُدًا وَلِلْمُرِيدِينَ مُسَدِّدًا تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَحَضَرَ مَجَالِسَهُ أَبُو زُرْعَةَ الطَّبَرِيُّ، شِيرَازِيُّ الْمَوْلِدِ سَكَنَ أَرْجَانَ، أَسْنَدَ الْحَدِيثَ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، فِي كِتَابِهِ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَشِّرٍ الْوَاسِطِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: §كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا مِثْلَهُنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، بِهِ
سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ بُنْدَارٍ، يَقُولُ: سَأَلْتُ بُنْدَارَ بْنَ الْحَسَنِ عَنِ الْفَرَقِ بَيْنَ الْمُتَصَوِّفَةِ وَالْمُتَقَرِّئَةِ فَقَالَ: " إِنَّ §الصُّوفِيَّ مَنِ اخْتَارَهُ الْحَقُّ لِنَفْسِهِ فَصَافَاهُ وَعَنْ نَفْسِهِ عَافَاهُ، وَمِنَ التَّكَلُّفِ بَرَّأَهُ، وَالصُّوفِيُّ عَلَى زِنَةِ عُوفِيَ أَيْ -[385]- عَافَاهُ، وَكُوفِيَ أَيْ كَافَاهُ، وَجُوزِيَ أَيْ جَازَاهُ اللَّهُ فَفِعْلُ اللَّهِ ظَاهِرٌ فِي اسْمِهِ، وَأَمَّا الْمُتَقَرِّئُ فَهُوَ الْمُتَكَلِّفُ بِنَفْسِهِ الْمُظْهِرُ لِزُهْدِهِ مَعَ كُمُونِ رَغْبَتِهِ وَتَرْئِيَةِ بَشَرِيَّتِهِ، وَاسْمُهُ مُضْمَرٌ فِي فِعْلِهِ لِرُؤْيَتِهِ نَفْسَهُ وَدَعْوَاهُ وَسُئِلَ أَيْضًا عَنِ الْفَرَقِ بَيْنَ التَّقَرِّي وَالتَّصَوُّفِ فَقَالَ: الْقَارِئُ هُوَ الْحَافِظُ لِرَبِّهِ مِنْ صِفَاتِ أَوَامِرِهِ، وَالصُّوفِيُّ النَّاظِرُ إِلَى الْحَقِّ فِيمَا حَفِظَ عَلَيْهِ مِنْ حَالِهِ، وَقَالَ: الصُّوفِيُّ حُرُوفُهُ ثَلَاثَةٌ كُلُّ حَرْفٍ لِثَلَاثِ مُعَانٍ: فَالصَّادُ دَلَالَةُ صِدْقِهِ وَصَبْرِهِ وَصَفَائِهِ، وَالْوَاوُ دَلَالَةُ وُدِّهِ وَوُرُودِهِ وَوَفَائِهِ، وَالْفَاءُ دَلَالَةُ فَقْرِهِ وَفَقْدِهِ وَفَنَائِهِ، وَالْيَاءُ لِلْإِضَافَةِ وَالنِّسْبَةِ، وَأَهْلُ الْحُرُوفِ وَالْإِشَارَاتِ يُقِيمُونَ حَرْفَ الْيَاءِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ فَفِي الِابْتِدَاءِ النِّدَاءُ وَفِي الِانْتِهَاءِ النِّسْبَةُ وَالْإِضَافَةُ فَفِي الِابْتِدَاءِ يَا عَبْدُ، وَفِي الِانْتِهَاءِ يَا عَبْدِي، فَفِي الْأَوَّلِ لِلنِّدَاءِ وَفِي الِانْتِهَاءِ لِلْإِضَافَةِ وَالنِّسْبَةِ وَكَانَ يَقُولُ: الْجَمْعُ مَا كَانَ بِالْحَقِّ وَالتَّفْرِقَةُ مَا كَانَ لِلْحَقِّ وَكَانَ يَقُولُ: لَا تُخَاصِمْ لِنَفْسِكَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَكَ دَعْهَا لِمَالِكِهَا يَفْعَلُ بِهَا مَا يَشَاءُ وَكَانَ يَقُولُ: دَعْ مَا تَهْوَى لِمَا تُؤَمِّلُ وَقَالَ: الْقَلْبُ مُضْغَةٌ وَهُوَ مَحَلُّ الْأَنْوَارِ وَمَوَارِدُ الزَّوَائِدِ مِنَ الْجَبَّارِ وَبِهَا يَصِحُّ الِاعْتِبَارُ، جَعَلَ اللَّهُ الْقَلْبَ أَمِيرًا فَقَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37]، ثُمَّ جَعَلَهُ لَدَيْهِ أَسِيرًا فَقَالَ {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24] "

الصفحة 384