كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)

وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ §أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى قَالَ: «الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ وَإِذَا تَكَلَّمُوا كَانَ كَلَامُهُمْ لِعِزِّ الْإِسْلَامِ وَنَجَاةِ النُّفُوسِ وَصَلَاحِهَا لَا لِعِزِّ النُّفُوسِ وَطَلَبِ الدُّنْيَا وَقَبُولِ الْخَلْقِ وَكَانُوا لِعِلْمِهِمْ مُسْتَعْمِلِينَ وَلِرَأْيِهِمْ مُتَّهِمِينَ وَلِسَبِيلِ أَسْلَافِهِمْ مُتَّبِعِينَ وَبِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ مُتَمَسِّكِينَ، الْخُشُوعُ لِبَاسُهُمْ وَالْوَرَعُ زِينَتُهُمْ وَالْخَشْيَةُ حِلْيَتُهُمْ، كَلَامُهُمُ الذِّكْرُ وَصَمْتُهُمُ الْفِكْرُ، نَصِيحَتُهُمْ لِلنَّاسِ مَبْذُولَةٌ وَشُرُورُهُمْ عَنْهُمْ مَخْزُونَةٌ وَعُيُوبُ النَّاسِ عِنْدَهُمْ مَدْفُونَةٌ، وَرَّثُوا جُلَّاسَهُمُ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا لِإِعْرَاضِهِمْ وَإِدْبَارِهِمْ عَنْهَا، وَرَغَّبُوهُمْ فِي الْآخِرَةِ لِإِقْبَالِهِمْ وَحِرْصِهِمْ عَلَيْهَا»
§النُّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَمِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ فِي كِتَابِ طَبَقَاتِ الْمُحَدِّثِينَ وَالرُّوَاةِ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ النُّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَبُو الْمُنْذِرِ، كَانَ عَبْدُ السَّلَامِ وَالِدُهُ يَلِي أَمْرَ السُّلْطَانِ وَمَاتَ عَنْ ضَيْعَةٍ نَفِيسَةٍ وَمَالٍ جَمٍّ، فَتَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَرَغِبَ عَنْهَا زُهْدًا فِيهَا، صَحِبَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ
سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ حَيَّانَ، يَحْكِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكِسَائِيِّ، يَقُولُ: " §بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا رَأَى فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ مَلَكًا يَقُولُ لِآخَرَ وَهُوَ عَلَى سُوَرِ الْمَدِينَةِ: اقْلِبْ، قَالَ: كَيْفَ أَقْلِبُ وَالنُّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِمٌ يُصَلِّي؟
§ابْنُ مَعْدَانَ وَيَلِيهِ فِي الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مَعْدَانَ بْنِ سُلَيْمٍ -[390]- عَرُوسُ الزُّهَّادِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَكَذَلِكَ أَخَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ، وَتُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بِالْمَصِّيصَةِ وَدُفِنَ إِلَى جَنْبِ مَخْلَدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَارَقَ ضِيَاعَهُ زَاهِدًا فِيهَا وَكَانَ يَقُولُ: لَقَدْ خَابَ مَنْ كَانَ حَظُّهُ مِنَ اللهِ الدُّنْيَا، وَكَانَ يَتَمَثَّلُ كَثِيرًا بِهَذَا الْبَيْتِ:
[البحر الطويل]
إِذَا كُنْتَ فِي دَارِ الْهَوَانِ فَإِنَّمَا ... يُنْجِيكَ مِنْ دَارِ الْهَوَانِ اجْتِنَابُهَا

الصفحة 389