كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)

§أَبُو الْحَسَنِ بْنُ سَهْلٍ وَمِنْهُمُ الْمُحَبَّرُ بِالْوَصْلِ الْمَحْفُوظُ فِي الْفَضْلِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، كَانَ لِلْحَقِّ مُجِيبًا وَاصِلًا، وَعَنِ النَّفْسِ مُغَيَّبًا رَاحِلًا
سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ أَحْمَدَ بْنَ رُسْتُمَ يَقُولُ: " كَانَ عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ مِمَّنْ §أُيِّدَ عَلَى مُخَالَفَةِ النَّفْسِ فَارْتَاضَ نَفْسَهُ رِيَاضَةً هَذَّبَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَنْشَؤُهُ نَشْءَ الْمُتْرَفِينَ أَبْنَاءَ النّعْمَةِ وَالْرَّفَاهَةِ فَكَانَ رُبَّمَا يَحْبِسُهُ عَنِ الْأَكْلِ عِشْرِينَ يَوْمًا، يَبِيتُ فِيهَا قَائِمًا هَائِمًا عَنِ الْخَلْقِ مَشْغُولًا وَفِيمَا يُعَانِيهِ مَحْمُولًا
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ الشَّعَّارَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سَهْلٍ، يَقُولُ: «§مَا احْتَكَمْتُ قَطُّ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ»
وَسَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ، وَأَبَا جَعْفَرٍ الْمَحَلَّاوِيَّ يَقُولَانِ وَكَانَا مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَا: قَالَ عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ: " §اسْتَولَى عَلَيَّ الشَّوْقُ فَأَلْهَانِي عَنِ الْأَكْلِ، وَقَطَعَنِي، عَنِ الْعَمَلِ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِي فَرَأَيْتُ فِيَ بَعْضِ اللَّيَالِي فِي غَفْوَتِي أَنِّي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ قَصْرًا عَظِيمًا رَفِيعًا فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فَقِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، ثُمَّ أَفْضَيْتُ إِلَى قَصْرٍ آخَرَ مِثْلِهِ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ لِي: لَكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ، فَاطَّلَعْتُ عَلَى لُعْبَةٍ غَلَبَ ضَوْءُ وَجْهِهَا كُلَّ شَيْءٍ فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا فَأَدْبَرَتْ وَهِيَ تَقُولُ: أَنْتَ لَا تَرْغَبُ فِينَا، وَإِذَا أَنَا بِصَوْتٍ مَا سَمِعْتُ نَغَمَةً أَشْجَى وَلَا أَحْزَنَ مِنْهُ وَهِيَ تَقُولُ:
[البحر الوافر]
مُقِيمٌ لِلْجَلِيلِ بِكُلِّ قَلْبٍ ... عَلَى الرَّضْرَاضِ لِلْخَطَرِ الْعَظِيمِ
فَظَنَنْتُ أَنَّهَا تَعْنِينِي، وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ الْحَالُ الْمَكِينُ وَالْبَيَانُ الْمُبِينُ "
فَقَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ صَاحِبُ أَبِي الْقَاسِمِ الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَرَأْتُ مَا كَتَبَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ إِلَى الْجُنَيْدِ فِي خِطَابِهِ وَصَدْرِ كِتَابِهِ: «§تَوَجَّكَ اللَّهُ تَاجَ بَهَائِهِ وَحَلَّاكَ حِلْيَةَ أَهْلِ بَلَائِهِ، وَأَوْدَعَكَ وَدَائِعَ أَحِبَّائِهِ، وَجَعَلَكَ مِنْ أَخْلَصِ خُلَصَائِهِ، وَأَشْرَفَ بِكَ عَلَى عَظِيمِ بِنَائِهِ، وَهَدَاكَ وَهَدَى بِكَ إِلَى كُلِّ حَالٍ مَعَ مَا يَرُدُّهُ عَلَيْكَ مِنْ دَوَامِ الْإِقْبَالِ وَحَبَاكَ مَعَ ذَلِكَ بِالْوَصْلِ وَالِاتِّصَالِ؛ لِتَكُونَ يَا أَخِي لَدَيْهِ رَضِيَ الْبَالِ، وَرَفَعَكَ بِعُلُوِّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»

الصفحة 404