كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)

§إِبْرَاهِيمُ الْهَرَوِيُّ وَمِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ الْهَرَوِيُّ يُعْرَفُ بابن بستنبه صَحِبَ إِبْرَاهِيمَ بْنُ أَدْهَمَ مِنْ أَقْرَانِ أَبِي يَزِيدَ مِنَ الْمَذْكُورِينَ بِالتَّوَكُّلِ وَالتَّجْرِيدِ تُوفِّيَّ بِقِزْوِينَ وَكَانَ أَهْلُ هَرَاةَ يُعَظِّمُونَهُ فَحَجَّ مُتَجَرِّدًا فَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ فِي تِلْكَ الْحِجَّةِ أَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ اقْطَعْ رِزْقِي عَنْ أَمْوَالِ , أَهْلِ هِرَاةَ وَزَهِّدْهُمْ فِيَّ , فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ تَأْتِي عَلَيْهِ الْأَيَّامُ الْكَثِيرَةُ لَا يَطْعَمُ فِيهَا شَيْئًا فَإِذَا مَرَّ بِسُوقِ هِرَاةَ قَالُوا: هَذَا الْفَاعِلُ يُنْفِقُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ النَّصْرأَبَاذِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ شَيْبَانَ يَقُولُ: " بَقِيَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بستنيه فِي الْبَادِيَةِ مَا أَكَلَ وَمَا شَرِبَ وَمَا اشْتَهَى شَيْئًا فَقَالَ: §عارَضَتْنِي نَفْسِي أَنَّ لِيَ مَعَ اللَّهِ رُتْبَةً فَلَمْ أَشْعُرْ أَنْ كَلَّمَنِي رَجُلٌ عَنْ يَمِينِي فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ , تَرَائِي اللَّهَ فِي سِرِّكَ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ , قَالَ: تَدْرِي كَمْ لِي هَاهُنَا لَمْ آكُلْ وَلَمْ أَشْرَبْ وَلَمْ أَشْتَهِ شَيْئًا وَأَنَا زَمِنٌ مَطْرُوحٌ؟ قُلْتُ: اللَّهُ أَعْلَمُ , قَالَ: ثَمَانِينَ يَوْمًا وَأَنَا أَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ يَقَعَ لِي خَاطِرُكَ وَلَوْ أَقْسَمْتُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الشَّجَرَ ذَهَبًا لَجَعَلَهُ فَكَانَتْ بَرَكَةُ رُؤْيَتِهِ تَنْبِيهًا لِي وَرُجُوعًا إِلَى حَالَتِي الْأُولَى "
سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ هَانِئٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْهَرَوِيَّ يَقُولُ: قَالَ أَبِي: §مَنْ أَرَادَ أَلَّا يُحْجَبَ دُعَاؤُهُ مِنَ السَّمَاءِ فَلْيَتَعَاهَدْ مِنْ نَفْسِهِ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ: أَوَّلًا أَنْ يَكُونَ أَكْلُهُ غَلَبَةً، لَا يَأْكُلُ إِلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلِبَاسُهُ غَلَبَةً، لَا يَلْبَسُ إِلَّا مَا لَابُدَّ مِنْهُ، وَنَوْمُهُ غَلَبَةً، لَا يَنَامُ إِلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَكَلَامُهُ غَلَبَةً، لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ , وَالْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ مُتَضَرِّعًا حَافِظًا لِإِرَادَتِهِ دَائِمًا حَافِظًا لِأَعْضَائِهِ كُلِّهَا , قَالَ: وَطَرِيقُ الْجَنَّةِ عَلَى ثَلَاثَةِ -[44]- أَشْيَاءَ: أَوَّلُهَا: أَنْ يَسْكُنَ قَلْبُكَ بِمَوْعُودِ اللَّهِ، وَالثَّانِي: الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَالثَّالِثُ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ فِي جَمِيعِ النَّوَافِلِ، قَالَ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْلُغَ الشُّرَفَ كُلَّ الشُّرَفِ فَلْيَخْتَرْ سَبْعًا عَلَى سَبْعٍ؛ فَإِنَّ الصَّالِحِينَ اخِتَارُوهَا حَتَّى بَلَغُوا سنَامَ الْخَيْرِ: أَوَّلُهَا أَنْ يَخْتَارَ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى، وَالْجُوعَ عَلَى الشِّبَعِ، وَالدُّونَ عَلَى الْمُرْتَفِعِ، وَالذُّلَّ عَلَى الْعِزِّ، وَالتَّوَاضُعَ عَلَى الْكِبْرِ، وَالْحُزْنَ عَلَى الْفَرَحِ، وَالْمَوْتَ عَلَى الْحَيَاةِ , وَقَالَ: كُلُّ مَنْ أَصَابَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ فَقَدْ أَصَابَ الشَّرَفَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: أَوَّلُهَا فَتْحُ الْقَلْبِ، يَعْنِي يَفْتَحُ اللَّهُ قَلْبَهُ فَيَجْعَلُهُ مَأْوَى الذِّكْرِ وَالْمُنَاجَاةِ، وَالثَّانِي: غَنْمُهُ الْبِرَّ، فَكُلُّ بِرٍّ يَرْزُقْهُ اللَّهُ يَرَاهُ أَنَّهُ غَنِيمَةٌ لَهُ فَيَتَقَبَّلُهُ بِالِمِنَّةِ، وَيَحْفَظُهُ بِالْخَوْفِ، وَيُتَمِّمُهُ بِالْخَشْيَةِ، وَيُسْلِمُهُ بِالْإِخْلَاصِ، وَيَحْفَظُهُ بِالصَّبِرِ، وَالثَّالِثُ: يَجِدُ الظَّفَرَ عَلَى عَدُوِّهِ لِيَسْتَقِيمَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ حَتَّى يَرْزُقَهُ اللَّهُ الظَّفَرَ عَلَى عَدُوِّهِ "

الصفحة 43